كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 2)

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَدْبَرَ: «اللَّهمّ سُدَّ عَلَى أَبْصَارِهِمْ وَأَسْمَاعِهِمْ فَلا يَرَوْنِي إِلا بَغْتَةً» . فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَحَدَّثَ قَوْمَهُ، فَقَالُوا: أَرَضِيتَ بِالْبَاطِلِ وَجِئْتَنَا بِمَا لا يُغْنِي عَنَّا شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَعِبَ بِكَ عَلَيَّ.
وَأَغْبَرَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَازِ، مُخْفِيًا لِذَلِكَ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ، فَرَأَى شَيْئًا مِنْ جِهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، فأنكر وقال: أين يريد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: تَجَهَّزَ [2] ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَازٍ قَوْمَكَ، قَدْ غَضِبَ لِبَنِي كعب. فدخل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشْفَقَتْ عَائِشَةُ أَنْ يَسْقُطَ أَبُوهَا بِمَا أَخْبَرَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، فأشارت إلى أبيها بعينها، فسكت. فمكث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً يَتَحَدَّثُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَجَهَّزْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ؟ قَالَ: لِمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِغَزْوِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ غَدَرُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ، وَإِنَّا غَازُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .
وَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْغَزْوِ، فَكَتَبَ حَاطِبٌ إِلَى قُرَيْشٍ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ. وَقَالَ:
ثُمَّ [3] خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اثني عشر ألفا من المهاجرين، [92 ب] وَالأَنْصَارِ، وَأَسْلَمَ، وَغِفَارٍ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَبَنِي سُلَيْمٍ. وَقَادُوا الْخُيُولَ حَتَّى نَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَلَمْ تَعْلَمْ بِهِمْ قُرَيْشٌ. قَالَ، فَبَعَثُوا حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ وَأَبَا سُفْيَانَ وَقَالُوا: خُذُوا لَنَا جِوَارًا أَوِ آذِنُوا [4] بِالْحَرْبِ. فَخَرَجَا فَلَقِيَا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ فَاسْتَصْحَبَاهُ، فَخَرَجَ مَعَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالأَرَاكِ [5] بِمَكَّةَ، وَذَلِكَ عِشَاءً، رَأَوُا الْفَسَاطِيطَ وَالْعَسْكَرَ، وسمعوا صهيل الخيل ففزعوا. فقال:
__________
[1] أغبر في الأمر: جدّ في طلبه.
[2] في الأصل: نجهزه والتصحيح من ح.
[3] من هنا يبدأ الحديث في المطبوع من المغازي لعروة 209.
[4] في مغازي عروة «آذنوه» .
[5] الأراك: فرع من دون ثافل (جبل) قرب مكة، وقيل موضع من نمرة في موضع من عرفة.
(معجم البلدان 1/ 135) .

الصفحة 529