كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 2)

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] : وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن أبي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَبْقِ الْعُقَابِ [2]- فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ- فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكَ. قَالَ: لا حاجة لي بهما، أمّا ابن عمّي فهتك عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ. فَلَمَّا بَلَغَهُمَا قَوْلُهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَتَأْذَنَنَّ لِي أَوْ لآخُذَنَّ بِيَدِ بُنَيَّ هَذَا ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا وَجُوعًا. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهُمَا، وَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلا وَأَسْلَمَا وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ:
لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ
لَكَالْمُدْلِجِ [3] الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ ... فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدِي وَأَهْتَدِي
هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي ... إِلَى اللَّهِ مَنْ طَرَّدْتُ [4] كُلَّ مُطَرَّدِ
أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ ... وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِن مُحَمَّدِ [5]
فَذَكَرُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ ضَرَبَ فِي صَدْرِهِ وقال: أنت طردتني كلّ مطرد [6] . وقال سعيد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا لِغَزْوَةِ فَتْحِ مَكَّةَ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُوَّامًا.
فَلَمَّا كُنَّا بِالْكَدِيدِ، أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفطر.
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 88، 89.
[2] نبق العقاب: موضع بين مكة والمدينة قرب الجحفة. (معجم ما استعجم 595) .
[3] المدلج: الّذي يسير ليلا.
[4] في طبعة القدسي 500 «طرده» والتصحيح من السيرة وغيرها.
[5] الأبيات في سيرة ابن هشام 4/ 89، ونهاية الأرب 17/ 307، والبداية والنهاية 4/ 287، وعيون التواريخ 1/ 292 مع اختلاف بعض الألفاظ في بعضها.
[6] سيرة ابن هشام 4/ 89.

الصفحة 536