كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 2)
فَردُّوا إِلَى النَّاسِ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ [1] .
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْسِم عَلَيْنَا فَيْئَنَا، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى شَجَرَةٍ فَانْتَزَعَتْ عَنْهُ رداءه فقال:
«ردّوا عليّ ردائي، فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ لَكُمْ عَدَدُ شَجَرِ تِهَامَةَ [نَعَمًا] [2] لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ مَا لَقِيتُمُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا» . ثُمَّ قَامَ إِلَى جَنْبِ بَعِيرٍ وَأَخَذَ مِنْ سَنَامَه وَبَرَةً فَجَعَلَهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، وَاللَّهِ ما لي مِنْ فَيْئِكُمْ وَلَا هَذِهِ الْوَبَرَةِ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ.
فَأَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ [3] ، فَإِنَّ الْغُلُولَ [4] عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِكُبَّةٍ [5] مِنْ خيوط شعر فقال: أخذت [110 أ] هَذِهِ لِأَخِيطَ بِهَا بَرْذَعَةَ بَعِيرٍ لِي دَبِرٍ [6] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا حَقِّي مِنْهَا فَلَكَ» . فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا إِذَا بَلَغَ الْأَمْرُ هَذَا فَلا حَاجَةَ لِي بِهَا. فَرَمَى بِهَا [7] . وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ. فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِليَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ: «اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ» . وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أَعْطَاهُ جَارِيَةً مِنَ الْخُمْسِ. فَلَمَّا أَنْ أَعْتَقَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبايا النَّاسِ، قَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْجَارِيَةِ فَخَلِّ سَبِيلَهَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [8] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 4/ 152 وانظر المغازي للواقدي 3/ 951، 952، وطبقات ابن سعد 2/ 153، 154، وتاريخ الطبري 3/ 87.
[2] زيادة من (ح) وابن هشام.
[3] الخياط: الخيط، والمخيط: الإبرة.
[4] الغلول: الخيانة في المغنم والسرقة وكل من خان في شيء خفية فقد غلّ.
[5] الكبّة: من الغزل أو الشعر ما جمع على شكل كرة أو أسطوانة.
[6] الدبر: قروح تصيب ظهر البعير أو خفه، فهو دبر وأدبر.
[7] سيرة ابن هشام 4/ 153، 154، تاريخ الطبري 3/ 89، 90.
[8] صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم (28/ 1656) .
الصفحة 608