كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 5)

بِخُرُوجِكُمْ، أَقِيمُوا مَعَنَا حَتَّى نَتَهَيَّأَ، فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّ عَدُوَّنَا قَدْ شَارَفَ بِلَادَنَا خَرَجْنَا كُلُّنَا فَقَاتَلْنَاهُ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: قَدْ خَرَجْنَا لِأَمْرٍ، وَلَا نَرَانَا إِلَّا شَاخِصِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: فَأَقِيمُوا حَتَّى نَعُبِّئَ مَعَكُمْ جَيْشًا كَثِيفًا، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ وَيَأْتِيكَ رَأْيِي.
ثُمَّ سَارَ، وَخَرَجَ مَعَهُ كُلُّ مُسْتَمِيتٍ، وَانْقَطَعَ عَنْهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: مَا أَحَبَّ أَنْ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْكُمْ مَعَكُمْ، وَأَتَوْا قَبْرَ الْحُسَيْنِ فَبَكَوْا، وَقَامُوا يَوْمًا وَلَيْلَةً يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ: يَا رَبِّ إِنَّا قَدْ خَذَلْنَاهُ، فَاغْفِرْ لَنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا.
ثُمَّ أَتَاهُمْ كِتَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مِنَ الْكُوفَةِ يَنْشُدُهُمُ اللَّهَ وَيَقُولُ: أَنْتُمْ عَدَدٌ يَسِيرٌ، وَإِنَّ جَيْشَ الشَّامِ خَلْقٌ، فَلَمْ يَلْوُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمُوا قَرْقِيسِيَاءَ، فَنَزَلُوا بِظَاهِرِهَا وَبِهَا زُفَرُ [1] بْنُ الْحَارِثِ الْكِلَابِيُّ قَدْ حصّنها، فأتى بابها المسيّب ابن نَجَبَةَ، فَأَخْبَرُوا بِهِ زُفَرَ [1] فَقَالَ: هَذَا وَفَارِسُ مُضَرَ الْحَمْرَاءِ كُلِّهَا، وَهُوَ نَاسِكُ دِينٍ، فَأَذِنَ لَهُ وَلَاطَفَهُ، فَقَالَ: مِمَّنْ نَتَحَصَّنُ، إِنَّا وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ نُرِيدُ، فَأَخْرِجُوا لَنَا سُوقًا، فَأَمَرَ لَهُمْ بِسُوقٍ، وَأَمَرَ لِلْمُسَيَّبِ بِفَرَسٍ، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِهِ بِعَلَفٍ كَثِيرٍ، وَبَعَثَ إِلَى وُجُوهِ الْقَوْمِ بِعَشْرِ جَزَائِرَ وَعَلَفٍ وَطَعَامٍ، فَمَا احْتَاجُوا إِلَى شِرَاءِ شَيْءٍ مِنَ السُّوقِ، إِلَّا مِثْلَ سَوْطٍ أَوْ ثَوْبٍ، وَخَرَجَ فَشَيَّعَهُمْ وَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ بَعَثَ خَمْسَةَ أُمَرَاءَ قَدْ فَصَلُوا مِنَ الرّقّة: حصين بن نمير السّكونيّ، وشرحبيل ابن ذِي الْكَلَاعِ، وَأَدْهَمَ بْنَ مُحْرِزٍ الْبَاهِلِيَّ، وَرَبِيعَةَ بْنَ الْمُخَارِقِ الْغَنَوِيَّ، وَجَبَلَةَ [2] الْخَثْعَمِيَّ، فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا، قَالَ زُفَرُ [1] :
فَتَدْخُلُونَ مَدِينَتَنَا، وَيَكُونُ أَمْرُنَا وَاحِدًا، وَنُقَاتِلُ مَعَكُمْ، فَقَالَ: قَدْ أَرَادَنَا أَهْلُ بَلَدِنَا عَلَى ذلك، فلم نفعل، قال: فبادروهم إلى عَيْنِ الْوَرْدَةِ، فَاجْعَلُوا الْمَدِينَةَ فِي ظُهُورِكُمْ، وَيَكُونُ الرُّسْتَاقُ والماء فِي أَيْدِيكُمْ، وَلَا تُقَاتِلُوا فِي فَضَاءٍ، فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْكُمْ، فَيُحِيطُونَ بِكُمْ، وَلَا تراموهم، ولا تصفّوا لهم، فإنّي
__________
[1] في الأصل «نفر» ، والتحرير من تاريخ ابن جرير 5/ 594 وغيره.
[2] في نسخة القدسي 2/ 370: «وحملة» ، والتصحيح من تاريخ لطبري.

الصفحة 47