كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 5)

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَوْ أَنَّ حُسَيْنًا لَمْ يَخْرُجْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ.
وَقَدْ كَتَبَتْ إِلَيْهِ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تُعَظِّمُ عَلَيْهِ مَا يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ، وَتَأْمُرُهُ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ، وَتُخْبِرُهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَاقُ إِلَى مَصْرَعِهِ وَتَقُولُ: أَشْهَدُ لَحَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُقْتَلُ حُسَيْنٌ بِأَرْضِ بَابِلٍ» [1] وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ كِتَابًا يُحَذِّرُهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَيُنَاشِدُهُ اللَّهَ أَنْ يَشْخَصَ إِلَيْهِمْ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحُسَيْنُ: إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا، وَرَأَيْتُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَنِي بِأَمْرٍ أَنَا مَاضٍ لَهُ، وَلَسْتُ بِمُخْبِرٍ أَحَدًا بِهَا حَتَّى أُلَاقِيَ عَمَلِي [2] . وَلَمْ يَقْبَلِ الْحُسَيْنُ غَدًا، وَصَمَّمَ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْعِرَاقِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ سَتُقْتَلُ غَدًا بَيْنَ نِسَائِكَ وَبَنَاتِكَ كَمَا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَإِنِّي لَأَخَافُ أَنْ تكون الّذي يقاد به عثمان، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156. فَقَالَ:
يَا أَبَا الْعَبَّاسِ إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ كَبِرْتَ، فَبَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: أقررت عَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَمَّا رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لَهُ: قَدْ أَتَى مَا أَحْبَبْتَ، هَذَا الْحُسَيْنُ يَخْرُجُ وَيَتْرُكُكَ وَالْحِجَازَ. ثُمَّ تَمَثَّلَ:
يَا لَكِ مِنْ قُنْبُرَةٍ [3] بِمَعْمَرِ ... خَلَا لَكِ الْجَوُّ [4] فَبِيضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي [5]
وَبَعَثَ الْحُسَيْنُ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَسَارَ إِلَيْهِ مَنْ خَفَّ مَعَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُمْ تِسْعَةُ عَشَرَ رَجُلًا، وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ، وَتَبِعَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ فَأَدْرَكَ أَخَاهُ الْحُسَيْنَ بِمَكَّةَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْخُرُوجَ لَيْسَ لَهُ بِرَأْيٍ، يَوْمَهُ هَذَا، فَأَبَى الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ، فَحَبَسَ مُحَمَّدٌ وَلَدَهُ، فَوَجَدَ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ وَقَالَ:
تَرْغَبُ بِوَلَدِكَ عَنْ مَوْضِعٍ أُصَابُ فِيهِ! وَبَعَثَ أَهْلُ الْعِرَاقِ إِلَى الحسين الرسل،
__________
[1] تهذيب تاريخ دمشق 4/ 332، 333.
[2] تهذيب تاريخ دمشق 4/ 333.
[3] في التاج: القبرة: طائر، الواحدة بهاء، ولا تقل قنبرة، أو لغية، وقد جاء ذلك في الرجز ...
[4] في الأصل «خلا لك البر» .
[5] تهذيب تاريخ دمشق 4/ 334، تاريخ الطبري 5/ 384، الكامل في التاريخ 4/ 39، البداية والنهاية 8/ 160.

الصفحة 9