كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 6)

فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ بِنْتُهُ، فَالْتَزَمَهَا، وَخَرَجَ أَهْلُهُ يَبْكُونَ، فَوَصَّاهُمْ وَقَالَ: لا تَبْكُوا، أَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ أَتْرُكْكُمْ، كَمْ عَسَيْتُ أَنْ أَعِيشَ مَعَكُمْ، وَإِنْ أَمُتْ فَإِنَّ الَّذِي يَرْزُقُكُمْ حَيٌّ لا يَمُوتُ، وَوَدَّعَهُمْ وَذَهَبَ [1] .
وَقَالَ الْحَجَّاجُ: اتْرُكُوهُمْ فَلْيَتَبَدَّدُوا، وَلا تَتْبَعُوهُمْ، وَنَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ رَجَعَ فَهُوَ آمِنٌ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْكُوفَةِ فَدَخَلَهَا، وَجَعَلَ لا يُبَايِعُ أَحَدًا مِنْهَا إِلا قَالَ لَهُ: اشْهَدْ عَلَى نَفْسِكَ أَنَّكَ كَفَرْتَ، فَإِذَا قَالَ نَعَمْ بَايَعَهُ، وَإِلا قَتَلَهُ، فَقَتَلَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَحَرَّجَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ. وَجِيءَ بِرَجُلٍ فَقَالَ الْحَجَّاجُ: مَا أَظُنُّ هَذَا يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَخَادِعِي عَنْ نَفْسِي، أَنَا أَكْفَرُ أَهْلِ الأَرْضِ، وَأَكْفَرُ مِنْ فِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ، فَضَحِكَ وَخَلاهُ [2] .
وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَنَزَلَ بَعْدَ الواقعة بِالْمَدَائِنِ، فَتَجَمَّعَ إِلَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَخَرَجَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ الْعَبْشَمِيُّ فَأَتَى الْبَصْرَةَ وَبِهَا ابْنُ عَمِّ الْحَجَّاجِ أَيُّوبُ بْنُ الْحَكَمِ، فَأَخَذَ الْبَصْرَةَ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ الْخَلْقُ، وَقَالَ ابْنُ سَمُرَةَ لَهُ:
إِنَّمَا أَخَذْتُ الْبَصْرَةَ لَكَ، وَلَحِقَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ بِهِمْ، فَسَارَ الْحَجَّاجُ لِحَرْبِهِمْ، وَخَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ إِلَى مَسْكِنَ عَلَى دُجَيْلَ [3] .
وَتَلاوَمَ أَصْحَابُ ابْنِ الأَشْعَثِ عَلَى الْفِرَارِ، وَتَبَايَعُوا عَلَى الْمَوْتِ، فَخَنْدَقَ ابْنُ الأَشْعَثِ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَسَلَّطَ الْمَاءَ فِي الْخَنْدَقِ، وأتته النجدة من خراسان، فاقتتلوا خمس عشرد لَيْلَةً أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَقُتِلَ مِنْ أُمَرَاءِ الْحَجَّاجِ زِيَادُ بْنُ غُنَيْمٍ الْقَيْنِيُّ [4] .
ثُمَّ عَبَّأَ الْحَجَّاجُ جَيْشَهُ وَصَرَخَ فِيهِمْ وَحَمَلَ بِهِمْ، فَهَزَمَ أَصْحَابَ ابْنِ الأَشْعَثِ، وَقُتِلَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَكُسِرَ بِسْطَامُ بْنُ مَصْقَلَةَ فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ جُفُونَ سُيُوفُهُمْ وَثَبَتُوا، وَقَاتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، كشفوا فيه عسكر
__________
[1] تاريخ الطبري 6/ 364.
[2] تاريخ الطبري 6/ 365، الكامل في التاريخ 4/ 482.
[3] في طبعة القدسي 3/ 230 «على دخل» ، والتصحيح من تاريخ الطبري 6/ 366.
[4] تاريخ الطبري 6/ 366، الكامل في التاريخ 4/ 482.

الصفحة 12