كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 6)
صغار في جنب عفوك، فاغفرها لِيَ يَا كَرِيمُ [1] .
قَالُوا: تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، وَخِلافَتُهُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا مِنْ وَسَطِ سَنَةِ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا احْتَضَرَ دَخَلَ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ ابْنُهُ، فَتَمَثَّلَ:
كَمْ عَائِدٍ رَجُلا وَلَيْسَ يَعُودُهُ ... إِلا لِيَعْلَمَ هَلْ تَرَاهُ يَمُوتُ
وَتَمَثَّلَ أَيْضًا:
وَمُسْتَخْبِرٌ عَنَّا يُرِيدُ بِنَا الرَّدَى ... وَمُسْتَخْبِرَاتٌ وَالْعُيُونُ سَوَاجِمُ
فَجَلَسَ الْوَلِيدُ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا هَذَا، تَحِنُّ حَنِينَ الأَمَةِ! إِذَا مِتُّ فَشَمِّرْ وَائْتَزِرْ وَالْبَسْ جِلْدَ النَّمِرِ، وَضَعْ سَيْفَكَ عَلَى عَاتِقِكَ، فَمَنْ أَبْدَى ذَاتَ نَفْسِهِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ مَاتَ بِدَائِهِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ: لَمَّا أَيْقَنَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِالْمَوْتِ دَعَا مَوْلاهُ أَبَا عِلاقَةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مُنْذُ وُلِدْتُ إِلَى يَوْمِي هَذَا حَمَّالا. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْبَنَاتِ إِلا وَاحِدَةً، وَهِيَ فَاطِمَةُ، وَكَانَ قَدْ أَعْطَاهَا قِرْطَيْ مَارِيَّةَ، وَالدُّرَّةَ الْيَتِيمَةَ، وَقَالَ: اللَّهمّ إِنِّي لَمْ أُخْلِفْ شَيْئًا أَهَمَّ مِنْهَا إِلَيِّ فَاحْفَظْهَا، فَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَوْصَى بَنِيهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْفُرْقَةِ وَالاخْتِلافِ، وَقَالَ: انْظُرُوا مُسْلِمَةَ وَاصْدُرُوا عَنْ رَأْيِهِ- يَعْنِي أَخَاهُمْ- فَإِنَّهُ مَجَنَّكُمُ الَّذِي بِهِ تَجْتَنُّونَ وَنَابَكُمُ الَّذِي عَنْهُ تَفْتَرُّونَ، وَكُونُوا بَنِي أُمٍّ بَرَرَةً، وَكُونُوا فِي الْحَرْبِ أَحْرَارًا، وَلِلْمَعْرُوفِ مَنَارًا، فَإِنَّ الْحَرْبَ لَمْ تُدْنِ مَنِيَّةً قَبْلَ وَقْتِهَا، وَإِنَّ الْمَعْرُوفَ يَبْقَى أَجْرُهُ وَذِكْرُهُ، وَاحْلَوْلَوْا فِي مَرَارَةٍ، وَلِينُوا فِي شِدَّةٍ، وَكُونُوا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الشَّيْبَانِيُّ:
إِنَّ الْقِدَاحَ [2] إِذَا اجْتَمَعْنَ فَرَامَهَا ... بِالْكَسْرِ ذُو حَنَقٍ وَبَطْشٍ أَيِّدِ
[3]
عَزَّتْ فَلَمْ تُكْسَرْ، وَإِنْ هِيَ بدّدت ... فالكسر والتّوهين للمتبدّد
__________
[1] تاريخ دمشق 10/ 263 أ، والبداية والنهاية 9/ 67.
[2] في البداية والنهاية «الأمور» .
[3] في البداية والنهاية «مفند» .
الصفحة 143