كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 6)

الْحَنَفِيَّةِ فِي الْخَشَبِيَّةِ [1] ، وَهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ، نَزَلُوا فِي الشِّعْبِ الأَيْسَرِ مِنْ مِنًى، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ سَعَى فِي الْهُدْنَةِ وَالْكَفِّ حَتَّى حَجَّتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الطَّوَائِفِ الأَرْبَعِ، قَالَ: وَوَقَفْتُ تِلْكَ الْعَشِيَّةِ إِلَى جَنْبِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ ادْفَعْ، وَدَفَعْتُ مَعَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَفَعَ [2] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عروة، عن أبيه:
ح، وأخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: كَانَ الْمُخْتَارُ لَمَّا قَدِمَ الْكُوفَةَ أَشَدَّ شَيْءٍ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَعَلَ يُلْقِي إِلَى النَّاسِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَطْلُبُ هَذَا الأَمْرَ لِأَبِي الْقَاسِمِ- يَعْنِي ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ- ثُمَّ ظَلَمَهُ إِيَّاهُ، وَجَعَلَ يَذْكُرُ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَحَالَهُ وَوَرَعَهُ، وَأَنَّهُ يَدْعُو لَهُ، وَأَنَّهُ بَعَثَهُ، وَأَنَّهُ كَتَبَ لَهُ كِتَابًا، وَكَانَ يَقْرَأُه عَلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ وَيُبَايِعُونَهُ سِرًّا، فَشَكَّ قَوْمٌ وَقَالُوا: أَعْطَيْنَا هَذَا الرَّجُلَ عُهُودَنَا أَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَسُولُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ بِمَكَّةَ، لَيْسَ هُوَ مِنَّا بِبَعِيدٍ، فَشَخَصَ مِنْهُمْ قَوْمٌ فَأَعْلَمُوهُ أَمْرَ الْمُخْتَارِ، فَقَالَ: نَحْنُ قَوْمٌ حَيْثُ تَرَوْنَ مَحْبُوسُونَ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا بِقَتْلِ مُؤْمِنٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ انْتَصَرَ لَنَا بِمَنْ شَاءَ، فَاحْذَرُوا الْكَذَّابِينَ، وَانْظُرُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَدِينِكُمْ، فَذَهَبُوا عَلَى هَذَا [3] .
وَجَعَلَ أَمْرُ الْمُخْتَارِ يَكْبُرُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَغْلُظُ، وَتَتَبَّعَ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ فَقَتَلَهُمْ، وَبَعَثَ ابْنَ الأَشْتَرِ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَ الْمُخْتَارُ بِرَأْسِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فدعت بنو هاشم للمختار، وعظم عندهم.
__________
[1] الخشبيّة: لقب أطلق على بعض الجماعات من الموالي ممن اشتركوا في الحرب بين المختار الثقفي وابن الزبير وسارت إلى مكة لتخليص ابن الحنفية من سجن ابن الزبير. وقيل لهم الخشبية لأنهم كانوا يحملون عصيّا من الخشب بدل السيوف. (القاموس الإسلامي 2/ 244) .
[2] طبقات ابن سعد 5/ 103، تاريخ دمشق 15/ 370 أ.
[3] طبقات ابن سعد 5/ 99.

الصفحة 187