كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 6)
وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ آلافٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ: عَلَى أَنْ تُؤَمِّنَ أَصْحَابِي. فَفَعَلَ، فَقَامَ فَحَمَدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَلِيُّ الأُمُورِ كُلِّهَا، وَحَاكِمُهَا، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، عَجِلْتُمْ بِالأَمْرِ قَبْلَ نُزُولِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ فِي أَصْلابِكُمْ لَمَنْ يُقَاتِلُ مَعَ آلِ مُحَمَّدٍ مَا يَخْفَى عَلَى أَهْلَ الشِّرْكِ أَمْرُ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمْرُ آلِ مُحَمَّدٍ مُسْتَأْخِرٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَعُودُنَّ فِيهِمْ [1] كَمَا بَدَأَ، الْحَمْدُ للَّه الَّذِي حَقَنَ دِمَاءَكُمْ، وَأَحْرَزَ دِينَكُمْ، مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَأْتِيَ مَأْمَنَهُ إِلَى بَلَدِهِ آمِنًا مَحْفُوظًا فَلْيَفْعَلْ. فَبَقِيَ مَعَهُ تِسْعُمِائَةِ رَجُلٍ، فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَقَلَّدَ هَدْيًا، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَدْخُلَ الْحَرَمَ تَلَقَّتْنَا خَيْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَمَنَعَتْنَا أَنْ نَدْخُلَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ: لَقَدْ خَرَجْتُ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُقَاتِلَكَ، وَرَجَعْتُ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُقَاتِلَكَ، دَعْنَا نَدْخُلُ، فَلْنَقْضِ نُسُكَنَا، ثُمَّ نَخْرُجُ عَنْكَ. فَأَبَى، وَمَعَنَا الْبُدْنُ قَدْ قَلَّدْنَاهَا، فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكُنَّا بِهَا حَتَّى قَدِمَ الْحَجَّاجُ، وَقَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الْعِرَاقَ، فَلَمَّا سَارَ مَضَيْنَا فَقَضَيْنَا نُسُكَنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ الْقَمْلَ يَتَنَاثَرُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَكَثَ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَ [2] .
قُلْتُ: هَذَا خَبَرٌ [3] صَحِيحٌ، وَفِيهِ أَنَّهُمْ قَضَوْا نُسُكَهُمْ بَعْدَ عِدَّةَ سِنِينَ.
وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: لَمْ يُبَايِعْ أَبِي الْحَجَّاجَ لَمَّا قَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ: قَدْ قُتِلَ عَدُوُّ اللَّهِ. فَقَالَ أَبِي: إِذَا بَايَعَ النَّاسُ بَايَعْتُ. قَالَ: وَاللَّهِ لَأقْتُلَنَّكَ، قَالَ: إِنَّ للَّه فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ لَحْظَةً، فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْهَا ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ قَضْيَةً، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكْفِينَاكَ فِي قَضْيَةٍ. قَالَ: فَكَتَبَ بِذَلِكَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَتَاهُ كِتَابُهُ فَأَعْجَبَهُ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى صَاحِبِ الرُّومِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَلِكَ الرُّومِ كَتَبَ إِلَيْهِ يَتَهَدَّدَهُ، أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ لَهُ جُمُوعًا كَثِيرَةً [4] .
__________
[1] في طبقات ابن سعد «فيكم» ، وكذلك في حلية الأولياء.
[2] طبقات ابن سعد 5/ 108، 109، تاريخ دمشق 15/ 373 أ، حلية الأولياء 3/ 174، 175.
[3] في الأصل «جزء» . وقال المؤلف في سير أعلام النبلاء 4/ 125 «إسنادها ثابت» .
[4] حدث في سنة 65 هـ. / 685 م. - وهي السنة التي تولّى فيها عبد الملك بن مروان الخلافة
الصفحة 190