كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 6)
ذَاتِ الْبَيْنِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَمَعَهُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَوْلادِهَا، فَوَقَعَ الْبُكَاءُ وَالضَّجِيجُ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، ثُمَّ صَلَّى وَخَطَبَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَلِيدَ، فَقِيلَ لَهُ: أَلا تَدْعُو لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: هَذَا مَقَامٌ لا يُذْكَرُ فِيهِ إِلا اللَّهُ، فَسُقُوا حَتَّى رُوُوا وَأُغِيثُوا [1] .
قَالَ أَبُو شَبِيبٍ الصَّدَفِيُّ: لَمْ نَسْمَعْ فِي الإِسْلامِ بِمِثْلِ سَبَايَا مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ [2] .
وَقِيلَ: إِنَّ مُوسَى تَمَادَى فِي سَيْرِهِ بِأَرْضِ الأَنْدَلُسِ مُجَاهِدًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَرْضٍ تَمِيدُ بِأَهْلِهَا، فَقَالَ لَهُ جُنْدُهُ: إِلَى أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ تَذْهَبَ بِنَا، حَسْبُنَا مَا بِأَيْدِينَا! فَرَجَعَ وَقَالَ: لَوْ أَطَعْتُمُونِي لَوَصَلْتُ إِلَى [3] الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ.
وَلَمَّا افْتَتَحَ مُوسَى أَكْثَرَ الأَنْدَلُسِ رَجَعَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَلَهُ نَيِّفٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى بَغْلٍ اسْمُهُ «كَوْكَبٌ» وَهُوَ يَجُرُّ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيْهِ جَرًّا، أَمَرَ بِالْعِجْلِ تَجُرُّ أَوْقَارَ الذَّهَبِ وَالْجَوَاهِرِ وَالتِّيجَانِ وَالثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ وَمَائِدَةِ سُلَيْمَانَ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ وَلَدَهُ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَأَخَذَ مَعَهُ مِائَةً مِنْ رُؤَسَاءِ الْبَرْبَرِ، وَمِائَةً وَعِشْرِينَ مِنَ الْمُلُوكِ وَأَوْلادِهِمْ، وَقَدِمَ مِصْرَ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، فَفَرَّقَ الأَمْوَالَ، وَوَصَلَ الأَشْرَافَ وَالْعُلَمَاءَ، ثُمَّ سَارَ يَطْلُبُ فِلَسْطِينَ، فَتَلَقَّاهُ رَوْحُ بْنُ زِنْبَاعٍ، فَوَصَلَهُ بِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ، وَتَرَكَ عِنْدَهُ بَعْضَ أَهْلِهِ وَخَدَمِهِ، فَأَتَاهُ كِتَابُ الْوَلِيدِ بِأَنَّهُ مَرِيضٌ، وَيَأْمُرُهُ بِشِدَّةِ السَّيْرِ لِيُدْرِكَهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يُبَطِّئُهُ فِي سَيْرِهِ فَإِنَّ الْوَلِيدَ فِي آخِرِ نَفَسٍ، فَجَدَّ فِي السَّيْرِ، فَآلَى سُلَيْمَانُ إِنْ ظَفِرَ بِهِ لَيَصْلُبَنَّهُ، وَأَرَادَ سُلَيْمَانُ أن يبطّئ ليسلّم مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى، فَقَدِمَ قَبْلَ مَوْتِ الوليد بأيام، فأتاه بالدّرّ والجوهر وَالنَّفَائِسِ وَمِلاحِ الْوَصَائِفِ وَالتِّيجَانِ وَالْمَائِدَةِ، فَقَبَضَ ذَلِكَ كلّه، وأمر بباقي الذهب وَالتَّقَادُمِ فَوُضِعَ بِبَيْتِ الْمَالِ، وَقُوِّمَتِ الْمَائِدَةُ بِمِائَةِ ألف
__________
[1] وفيات الأعيان 5/ 319- 320.
[2] وفيات الأعيان 5/ 319.
[3] «إلى» ساقطة من الأصل.
الصفحة 487