كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 7)

الْحَجَّاجُ الْعِرَاقَ سَأَلَنِي عَنْ أَشْيَاءٍ مِنَ الْعِلْمِ فَوَجَدَنِي بِهَا عَارِفًا، فَجَعَلَنِي عَرِّيفًا عَلَى الشَّعْبِيِّينَ وَمُنْكَبًا [1] عَلَى جَمِيعِ هَمْدَانَ، وَفَرَضَ لِي، فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَهُ بِأَشْرَفِ مَنْزِلَةٍ، حَتَّى كَانَ ابْنُ الأَشْعَثِ، فَأَتَانِي قُرَّاءُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو إِنَّكَ زَعِيمُ الْقُرَّاءِ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُمْ، فَقُمْتُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَذْكُرُ الْحَجَّاجَ وَأَعِيبُهُ بِأَشْيَاءَ، فَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ: أَلا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الشَّعْبِيِّ الْخَبِيثِ، أَمَا لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ لأَجْعَلَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْهِ أَضْيَقَ مِنْ مَسْكِ [2] حَمَلٍ [3] ، قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا أَنْ هُزِمْنَا، فَجِئْتُ إِلَى بَيْتِي وَأَغْلَقْتُ عَلَيَّ فَمَكَثْتُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَنُدِبَ النَّاسُ لِخُرَاسَانَ، فَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَنَا لَهَا، فَوَلاهُ خُرَاسَانَ، وَنَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ لَحِقَ بِقُتَيْبَةَ فَهُوَ آمِنٌ، فَاشْتَرَى مَوْلَى لِي حِمَارًا وَزَوَّدَنِي، فخرجت، فكنت في العسكر، فلم أزل معه حتى أتينا فرغانة [4] ، فجلس ذات يوم وقد سر [5] ، فنظرت إليه فقلت: أيها الأمير، عندي علم، قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أُعِيذُكَ، لا تَسْأَلْ عَنْ ذَلِكَ، فَعَرِفَ أَنِّي مِمَّنْ يَخْتَفِي [6] ، فَدَعَا بِكِتَابٍ وَقَالَ: اكْتُبْ نُسْخَةً، قُلْتُ: لَسْتَ تَحْتَاجُ إِلَى ذلك، فجعلت أملّ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ، حتى فرغ من كتاب الفتح، قَالَ: فَحَمَلَنِي عَلَى بَغْلَةٍ، وَبَعَثَ إِلَيَّ بِسَرَقٍ [7] مِنْ حَرِيرٍ، وَكُنْتُ عِنْدَهُ فِي أَحْسَنِ منزلة، فإنّي ليلة أتعشّى معه، إذا أَنَا بِرَسُولِ الْحَجَّاجِ بِكِتَابٍ فِيهِ: إِذَا نَظَرْتَ فِي كِتَابِي هَذَا، فَإِنّ صَاحِبَ كِتَابِكَ الشَّعْبِيُّ، فإن فَاتَكَ قَطَعْتُ يَدَكَ عَلَى رِجْلِكَ وَعَزَلْتُكَ، قَالَ: فَالْتَفَتَ إِليَّ وَقَالَ: مَا عَرَفْتُكَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فاذهب حيث شئت
__________
[1] قال الزبيدي في تاج العروس: ومن المجاز: المنكب عريف القوم أو عونهم. وقال الليث:
رأس العرفاء.
[2] المسك: الجلد.
[3] هكذا في الأصل، وفي تاريخ دمشق، وهي «جمل» في سير أعلام النبلاء 4/ 304.
[4] بالفتح ثم السكون وغين معجمة. مدينة وكورة واسعة بما وراء النهر متاخمة لبلاد تركستان..
على يمين القاصد لبلاد الترك. (معجم البلدان 4/ 253) .
[5] في تاريخ دمشق 209 وسير أعلام 4/ 305 «برق» .
[6] في تاريخ دمشق والسير «يخفي نفسه» .
[7] سرق: جمع سرقة، وهي القطعة من جيّد الحرير (لسان العرب- مادة: سرق) .

الصفحة 128