كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 9)

تكتبه عن أهل هذه الْقَرْيَةِ، ثُمَّ تَسِيرُ إِلَى بِلادِهِمْ فَإِنْ كَانُوا قَدْ نَزَعُوا عَنْ رَأْيِهِمْ فَأَحبِبْ وَاللَّهِ بِهِمْ وَأَقْرِبْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى رَأْيِهِمْ عَلِمْتُ ذَلِكَ وَكُنْتُ عَلَى حَذَرٍ فَاشْخَصْ حَتَّى تلقَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنٍ مُتَقَشِّفًا مُتَخَشِّعًا فَإِنْ جَبَهَكَ- وَهُوَ فَاعِلٌ- فَاصْبِرْ حَتَّى يَأْنَسَ بِكَ وَيُلِينُ لَكَ نَاحِيَتَهُ. فَإِذَا ظَهَرَ لَكَ مَا فِي قَلْبِهِ [1] فَاعْجَلْ عَلَيَّ.
قَالَ: فَشَخَصَ عُقْبَةُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ بِالْكِتَابِ فَأَنْكَرَهُ وَانْتَهَرَهُ وَقَالَ: مَا أَعْرِفُ هَؤُلاءِ، فَلَمْ يَزَلْ يَنْصَرِفْ وَيَعُودُ إِلَيْهِ حَتَّى قَبِلَ الْكِتَابَ وَأَلْطَافَهُ وَأَنِسَ بِهِ فَسَأَلَهُ عُقْبَةُ الْجَوَابَ، فَقَالَ: أَمَّا الْكِتَابُ فَإِنِّي لا أَكْتُبُ إِلَى أَحَدٍ، وَلَكِنْ أَنْتَ كِتَابِي إِلَيْهِمْ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ ابْنَيَّ خَارِجَانِ لِوَقْتِ كَذَا وَكَذَا. فَأَسْرَعَ عُقْبَةُ بِهَذَا إِلَى الْمَنْصُورِ.
وَقِيلَ: كَانَ مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ مَنْهُومَيْنِ بِالصَّيْدِ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: قَدِمَ مُحَمَّدٌ الْبَصْرَةِ مُخْتَفِيًا فِي أَرْبَعِينَ رَجُلا فأتى عبد الرحمن ابن عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِشَامٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَهْلَكْتَنِي وَشَهَّرْتَنِي فَانْزِلْ عِنْدِي وَفَرِّقْ أَصْحَابَكَ، فَأَبَى عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنْزِلْ فِي بَنِي رَاسِفٍ، فَفَعَلَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: أَقَامَ مُحَمَّدٌ يَدْعُو النَّاسَ سِرًّا.
وَقِيلَ: نَزَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ الْمُرِّيِّ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَسَارَ الْمَنْصُورُ حَتَّى نَزَلَ الْجِسْرَ.
وَكَانَ الْمَنْصُورُ لَمَّا حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ أَكْرَمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ ثُمَّ قَالَ لعقبة: تراءى لَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ عَلِمْتُ مَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعُهُودِ أَنْ لا تَبْغِيَ سُوءًا. قَالَ: فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ، فَاسْتَدَارَ لَهُ عُقْبَةُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَتَاهُ مِنْ وَرَائِهِ فَغَمَزَهُ بِأَصْبُعَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ بَغْتَةً فَمَلأَ عَيْنَهُ مِنْهُ فَوَثَبَ حَتَّى جلس
__________
[1] في نسخة القدسي 6/ 7 «ما قبله» والتصحيح عن الطبري 7/ 120.

الصفحة 16