كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 9)

عِيسَى قَدْ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ فَدَعَا إِلَى الْبِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَاجِلٌ عَلَيْهِ قَبَاءُ أَبْيَضُ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ الْفَارِسُ، فَقَتَلَهُ الرَّاجِلُ وَرَجَعَ، ثُمَّ بَرَزَ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى، فَبَرَزَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ بَرَزَ ثَالِثٌ فَقَتَلَهُ، فَاعْتَوَرَهُ أَصْحَابُ عِيسَى يَرْمُونَهُ، فَأَثْبَتُوهُ، فَأَسْرَعَ فَمَا وَصَلَ إِلَى أَصْحَابِهِ حَتَّى خَرَّ صَرِيعًا، وَدَامَ الْقِتَالُ مِنْ بَكْرَةٍ إِلَى الْعَصْرِ، وَطَمَّ أَصْحَابُ عِيسَى الْخَنْدَقَ، وَجَاءَتِ الْخَيْلُ، وَذَهَبَ مُحَمَّدٌ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، فَاغْتَسَلَ وَتَحَنَّطَ، ثُمَّ جَاءَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَالَكَ بِمَا تَرَى طَاقَةٌ، فَاخْرُجْ تَلْحَقْ بِالْحَسَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ، فَإِنَّ مَعَهُ جُلَّ أَصْحَابِكَ، فَقَالَ: لَوْ رُحْتُ لَقُتِلَ هَؤُلاءِ، فو الله لا أَرْجِعُ حَتَّى أَقْتُلُ أَوْ أُقْتَلُ، وَأَنْتُ مِنِّي فِي سَعَةٍ فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ [1] .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: رَأَيْتُ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ جُبَّةٌ مُمَشَّقَةٌ وَهُوَ عَلَى بِرْذَوْنٍ، وَابْنُ خُضَيْرٍ [2] يُنَاشِدُهُ اللَّهَ إِلا مَضَى إِلَى الْبَصْرَةِ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: وَاللَّهِ لا تُبْلَوُنَّ بِي مَرَّتَيْنِ، وَلَكِنِ اذْهَبْ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ. فَقَالَ: وَأَيْنَ الْمَذْهَبُ عَنْكَ؟ ثُمَّ مَضَى فَأَحْرَقَ الدِّيوَانَ وَقَتَلَ رِيَاحًا فِي الْحَبْسِ، ثُمَّ لَحِقَ مُحَمَّدًا بِالثَّنِيَّةِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [3] .
وَقِيلَ: قَتَلَ مَعَ رِيَاحٍ أَخَاهُ عَبَّاسَ بْنَ عُثْمَانَ، وَكَانَ مُسْتَقِيمَ الطَّرِيقَةِ، فَعَابَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى الْعَصْرَ وَعَرْقَبَ فَرَسَهُ، وَعَرْقَبَ بَنُو شُجَاعٍ دَوَابَّهُمْ، وَكَسَرُوا أَجْفَانَ سُيُوفِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ بَايَعْتُمُونِي وَلَسْتُ بِمُبَايِعٍ حَتَّى أُقتَلَ، ثُمَّ أَنَّهُ حَمَلَ وَهَزَمَ أَصْحَابَ عِيسَى مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ أَصْحَابُ عِيسَى مِنْ نَاحِيَةِ بَنِي غِفَارٍ، وَجَاءُوا مِنْ خَلْفِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَنَادَى مُحَمَّدٌ حُمَيْدَ بْنَ قَحْطَبَةَ: إِنْ كُنْتَ فَارِسًا فَابْرُزْ، فَلَمْ يبرزَ لَهُ، وجعل حميد يدعو
__________
[1] الطبري 7/ 589- 591.
[2] في نسخة القدسي 6/ 18 «حصين» والتصحيح من الطبري 7/ 591 وابن الأثير 5/ 547.
[3] الطبري 7/ 591، ابن الأثير 5/ 547 و 548.

الصفحة 29