كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 9)

مَدِينَةً، فَقَالَ: إِنَّمَا يَبْنِيهَا مَلِكٌ يُقَالُ لَهُ: «أَبُو الدَّوَانِيقِ» ، فَضَحِكَ وَقَالَ:
أَنَا هُوَ، وَاخْتَطَّهَا وَوَكَّلَ بِهَا أَرْبَعَةَ قُوَّادٍ، وَوَلَّى أَبَا حَنِيفَةَ الْقِيَامَ بِعَمَلِ الآجُرِّ.
وَقِيلَ: كَمُلَ سُورُهَا فِي أَرْبَعِ سِنِينَ. وَكَانَتِ الْبُقْعَةُ مَزْرَعَةً تُدْعَى الْمُبَارَكَةُ، لِسِتِّينَ نَفْسًا، فَعَوَّضَهُمُ الْمَنْصُورُ وَأَعْطَاهُمْ فَأَرْضَاهُمْ، وَجَدُّوا فِي الْبِنَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ فِتْنَةِ ابْنِ حَسَنٍ.
وَقِيلَ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مَدِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ سِوَاهَا، عَمَلَ فِي وَسَطِهَا دَارَ الْمَمْلَكَةِ بِحَيْثُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي قَصْرِهِ كَانَ جَمِيعُ أَطْرَافِ الْبَلَدِ إِلَيْهِ سَوَاءً، وَقَدْ تَمَّ بِنَاؤُهَا الْمُهِمُّ فِي عَامٍ، وَسَكَنَهَا وَنَقَلَ إِلَيْهَا خَزَائِنَهُ وَبُيُوتَ الْمَالِ.
وَقِيلَ: سِعَتُهَا مِائَةٌ وَثَلاثُونَ جَرِيبًا، أَنْفَقَ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةَ عَشْرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
قَالَ بَدْرٌ الْمُعْتَضِدِيُّ: قَالَ لَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: انْظُرُوا كَمْ سِعَةُ مَدِينَةِ الْمَنْصُورِ، فَحَسَبْنَا فَإِذَا هِيَ ميلين مكسّرين في ميلين.
وقيل مسافة مَا بَيْنَ كُلِّ بَابٍ وَبَابٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ، وَكَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ رَخَاءُ الأَسْعَارِ بِالْعِرَاقِ حَتَّى بِيعَ الْكَبْشُ بِدِرْهَمٍ وَالْحَمَلُ بِأَرْبَعَةِ دَوَانِيقَ، وَالتَّمْرُ سِتُّونَ رَطْلا بِدِرْهَمٍ، وَالزَّيْتُ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلا بِدِرْهَمٍ، وَالسَّمْنُ ثَمَانِيَةٌ بِدِرْهَمٍ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: أَنَا رَأَيْتُ يُنَادَى فِي جَبَّانَةِ كِنْدَةَ: لَحْمُ الْغَنَمِ سِتُّونَ رَطْلا بِدِرْهَمٍ، وَالْعَسَلُ عَشَرَةٌ بِدِرْهَمٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلُّ بَغْدَادَ مَبْنِيَّةٌ بِالآجُرِّ، اللَّبِنَةُ ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ، زِنَتُهَا مِائَةُ رَطْلٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ رَطْلا، وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ، بَيْنَ الْبَابِ وَالْبَابِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ بُرْجًا، وَعَلَيْهَا سُورَانِ، ثُمَّ بُنِيَ الْجَامِعُ وَالْقَصْرُ، وَكَانَ فِي صَدْرِ الْقَصْرِ إِيوَانٌ طُولُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا، عَلَيْهِ الْقُبَّةُ الْخَضْرَاءُ ارْتِفَاعُهَا ثَمَانُونَ ذِرَاعًا. سَقَطَ رَأْسُهَا

الصفحة 34