كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 9)

وَلَمَّا نَزَلَ «بَاخَمْرَا» كَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّكَ قَدْ أَصْحَرْتَ وَمِثْلُكَ أَنْفَسُ بِهِ عَلَى الْمَوْتِ، فَخنْدِقْ عَلَى نَفْسِكَ، فَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَفْعَلْ، فَقَدْ أَعْرَى الْمَنْصُورُ عَسْكَرَهُ، فَخِفَّ فِي طَائِفَةٍ حَتَّى تَأْتِيَهُ فَتَأْخُذُ بِقَفَاهُ، فَعَرَضَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى قُوَّادِهِ فَقَالُوا: نُخَنْدِقُ عَلَى نُفُوسِنَا وَنَحْنُ ظَاهِرُونَ عَلَيْهِمْ! وَاللَّهِ لا نَفْعَلُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَأْتِيهِ وَهُوَ فِي أيْدِينَا مَتَى أَرَدْنَا؟ وَقَالَ آخَرُ: لَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: إِنَّ الصَّفَّ إِذَا انْهَزَمَتْ تَعْبِئَتُهُ تَدَاعَى، فَاجْعَلْنَا كَرَادِيسَ، فَإِنِ انْهَزَمَ كُرْدُوسٌ ثَبَتَ كُرْدُوسٌ، فَتَنَادَى أَصْحَابُهُ: لا لا، إِلا تَعْبِئَةَ أَهْلِ الشَّامِ وَقِتَالِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا 61: 4 [1] .
وَقَالَ آخَرُ: أَتَيْتُ إِبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ مُصْبِحُوكَ بِمَا يَسُدُّ عَلَيْكَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ فِي السِّلاحِ وَالْكُرَاعِ، وَإِنَّمَا مَعَكَ [2] رِجَالٌ عُرَاةٌ، فَدَعْنَا نُبَيِّتُهُمْ، فَقَالَ:
إِنِّي أَكْرَهُ الْقَتْلَ. فَقُلْتُ: تُرِيدُ الْمُلْكَ وَتَكْرَهُ الْقَتْلَ! وَالْتَقَوْا «بِبَاخَمْرَا» ، وَهِيَ عَلَى يَوْمَيْنِ مِنَ الْكُوفَةِ، فَاشْتَدَّ الْحَرْبُ، وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ، فَانْهَزَمَ حميد ابن قَحْطَبَةَ، وَكَانَ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ، فَانْهَزَمَ الْجَيْشُ، فَنَاشَدَهُمْ عِيسَى بْنُ مُوسَى اللَّهَ تَعَالَى، وَمَرَّ النَّاسُ، فَثُبِتَ عِيسَى فِي مِائَةِ فَارِسٍ مِنْ خَوَاصِّهِ، فَقِيلَ لَهُ:
لَوْ تَنَحَّيْتَ فَقَالَ: لا أَزُولُ حَتَّى أُقْتَلَ أَوْ أَفْتَحَ، وَلا يُقَالُ انْهَزَمَ [3] .
وَعَنْ عِيسَى قَالَ: لَمَّا رَأَى الْمَنْصُورُ تَوْجِيهِي إِلَى إِبْرَاهِيمَ قَالَ: إِنَّ الْمُنَجِّمِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاقِيهِ، وَإِنَّ لَكَ جَوْلَةٌ، ثُمَّ يَفِيءُ [4] إِلَيْكَ أَصْحَابُكَ، فَكَانَ كَمَا قَالَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا مَعِي ثَلاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ غُلامِي: عَلامَ تقف؟
__________
[1] قرآن كريم- سورة الصف- الآية 4.
[2] في نسخة القدسي 6/ 25 «فعل» والتصحيح من الطبري 7/ 644.
[3] الطبري 7/ 644 و 645.
[4] في الأصل «بقي» .

الصفحة 41