كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 20)

وحصل وتنقّلت به الأحوال إلى أن ولي إمرة الثغور، وولي إمرة دمشق وديار مصر. وأوّل دخوله مصر سنة أربعٍ وخمسين ومائتين وعمره أربعون سنة، فملكها بضع عشرة سنة.
وبَلَغَنا أنّه خلّف من الذَّهَب الأحمر عشرة آلاف ألف دينار، وأربعة وعشرين ألف مملوك [1] .
ويقال إنه خلف ثلاثة وثلاثين ولدا ذكورا وإناثا، وستّمائة بغل ثقل.
وقيل: إنّ خراج مصر بلغ فِي العام فِي أيّامه أربعة آلاف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار [2] .
وكان شجاعًا حازمًا مهيبًا خليقًا للمُلْك، جوادًا ممدَّحًا. وَقِيلَ: بلغت نفقته كلّ يوم ألف دينار. إلّا أنه كان سفّاكًا للدّماء، ذا سَطْوةٍ وجَبَرُوت.
قَالَ القُضاعيّ: أُحْصِيَ مَن قتله صبْرًا، فكان جملتهم مع من مات فِي سجنه ثمانية عشر ألفًا.
وأنشأ الجامع المشهور، وغرِم على بنائه أكثر من مائة ألف دينار [3] . وكان الخليفة مشغولًا عَنْهُ بحرب الزَّنْج.
وكان فيما قَيِل حسَّن له بعض التّجّار التّجارة، فدفع إليه خمسين ألف دينار، فرأى فِي النوم كأنّه يمشمش عظْمًا. فدعى المعَبّر وقصّ عليه فقال: لقد سَمَت هِمَّةُ مولانا إِلَى مكسبٍ لا يُشبَّه خَطَرُه.
فأمر صاحب صدقته أن يأخذ الخمسين ألف دينار من التّاجر ويتصدق بها.
وكان، سامحه الله تعالى، قد ضبط الثغور وعمّرها. وكان صحيح الْإِسْلَام معظِّمًا للحُرُمات، محبّا للجهاد والرّباط.
قَالَ أَحْمَد بْن خاقان، وكان تِرْبًا لأحمد بْن طولون: وُلِد أَحْمَد سنة أربع عشرة ومائتين، ونشأ فِي الفِقْه والتصوُّف، فانتشر له حُسْن الذّكر، وكان شديد الإزراء على الأتراك فيما يرتكبونه، إِلَى أن قَالَ لي يومًا: يا أخي، إِلَى كم نقيم على الإثم، لا نطأ مَوْطئًا إلّا كُتِب علينا فِيهِ خطيئة. والصّواب أن نسأل الوزير
__________
[1] في العبر 2/ 43: «أربعة عشر ألف مملوك» . وانظر: بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 169.
[2] المنتظم 5/ 73.
[3] في وفيات الأعيان 1/ 173 «وأنفق على عمارته مائة ألف وعشرين ألف دينار» .

الصفحة 47