كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 29)
ورجع إلى طُلَيْطُلَة، فأكثر عنه أهلها، ورحل النّاس إليه من البلدان [1] .
وكان زاهدًا عابدًا متبتِّلًا، عالمًا عاملًا سُنِّيا.
يُقال إنّه كان مُجاب الدَّعوة. وكان الأغلب عليه الرّواية والأثر، والعمل بالحديث [2] . وكان ثقةً متحرّيا، قد التزم الأمرَ بالمعروف والنَّهيّ عن المنكر بنفسه، لا تأخذه في الله لومةُ لائم. صنّف في ذلك كتابًا [3] .
وكان مَهِيبًا مُطاعًا محبوبًا، لا يختلف اثنان في فضله. وكان يتولّى عملَ عِنَبِ كَرْمِه بنفسه. ولم يُرَ بطُلَيْطُلَة أكثرَ جَمْعًا من جنازته [4] .
134- عبد الرّحيم بْن الحافظ أَبِي عَبْد اللَّه محمد بْن إسحاق بن مَنْدَهْ [5] .
تُوُفّي بطريق إِيذَج [6] بين العِيدَين.
أظنّه كان يتعانى التّجارة.
__________
[1] الصلة 1/ 265.
[2] الصلة 1/ 265.
[3] هو كتاب «الأمر والنهي» كما في: الصلة 1/ 265، ومنه نسخة في مكتبة غاريت بالولايات المتحدة الأمريكية، برقم 2053/ 1، تاريخ نسخها سنة 757 هـ. ذكرها فؤاد سزكين باسم «كتاب الأمر بأداء الفرائض واجتناب المحارم» . (تاريخ التراث العربيّ 188 رقم 59) .
[4] وقال ابن بشكوال: «وكانت جلّ كتبه قد نسخها بيده ... وكان مهيبا مطاعا، محبوبا من جميع الناس لم يختلف اثنان في فضله. وكان الناس يتبرّكون بلقائه. وكان مواظبا على الصلاة بالجامع، ولقد خرج إليه في بعض الليالي لصلاة العشاء حافيا في ليلة مصر، وكان يقرأ خلف الإمام فيما جهر فيه. وذكر عنه أنه كان يحصى ما كان يسوقه من كرمه ولو كان عنقودا واحدا لإحصاء الزكاة ... وسمع عن بعض أصحابه الذين يختلفون إليه أنه يروي ديوان كذا بسند قريب، فقال له: أريد أن أسمعه منك فأحضر الديوان وصار الشيخ بين يديه وسمعه منه ...
وقال أبو المطرّف عبد الرحمن بن محمد بن البيروله: كان أبو محمد بن ذونين (كذا) هذا شيخا فاضلا، ورعا صليبا في الدين، كثير الصدقة، يبايع الناس إذا ابتاع أعطى دراهم طيبة لا دلسة فيها ولا زائفة، وإذا بايع اشترط مثل ذلك، وإذا خدع فيها وردّت عليه صرّها في خرقة ثم واسط بها القنطرة وألقاها في غدير الوادي، ويقول: هي أفضل من الصدقة بمثلها لو أنها طيّبة لقطع الردى والغش من أيدي المسلمين. وكانت جلّ بضاعته قراءته كتب الزهد وروايتها وشيء من كتب الحديث، ولم يكن له بالمسائل كبير علم» . (الصلة 1/ 265، 266) .
[5] لم أقف على مصدر ترجمته.
[6] إيذج: الذال معجمة مفتوحة، وجيم. وكسر الهمزة في أولها. كورة وبلدة بين خوزستان وأصبهان، وهي أجلّ مدن هذه الكورة، وسلطانها يقوم بنفسه، وهي وسط الجبال، يقع بها ثلج كثير يحمل إلى الأهواز والنواحي. وقال أبو سعد: إيذج في موضعين، أحدهما بلدة من كور الأهواز وبلاد الخوز، والثاني: إيذج من قرى سمرقند. (معجم البلدان 1/ 288) .
الصفحة 132
647