كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 29)
الإنشاء في أيّام المنصور [1] بن أبي عامر.
وقال الثَّعالبيّ [2] : كان بِصُقْع الأندلس كالمتنبّي بِصُقْع الشام.
ومن شعره:
أضاء لها فجر النُّهى فنهاها ... عن الدَّنِفِ [3] المُضْنَى بحرِّ هواها
وضلّلها صُبح جلا ليلِهُ الدُّجا [4] ... وقد كان يهديها إليَّ دُجاهَا [5]
وفي أوّل شأنه عمل هذه القصيدة، ومدح بها المنصور. فتكلّموا فيه واتهموه بسرِّقة الشِّعر، فقال في المجلس لوقته:
حسْبي رِضاكَ من الدَّهرِ الّذي عَتَبَا ... وعَطْفُ نُعْماكَ للحظِّ الذي انقلبا
ولستُ أوّلُ من أَعْيَتْ بدائَعهُ ... فاستدْعتِ القولَ ممّن ظنَّ أو حسبا
إنّ إمرأ القيسِ في بعضٍ لَمُتَّهَمٌ ... وفي يديهِ لواءُ الشِعرِ «إنْ ركِبا» [6]
والشِّعر قد أَسَرَ الأعشى وقيَّدَهُ ... دهرًا، وقد قِيلَ: «والأعشى إذا شَرِبا» [7]
وكيف أظمأ وبحري زاخر قطنا [8] ... إلى خيالٍ من الضّحْضَاحِ قد نَضَبَا
عبدٌ لِنُعماكَ فكّيه نجم هُدى ... سار بمدْحِكَ [9] يجْلُو الشَّكَّ والرِّيَبَا
إنْ شئتَ أملَى بديعَ الشِّعرِ أو كَتَبَا ... أو شئتَ خاطبَ بالمنثورِ أو خطبا
__________
[1] هو: محمد بن أبي عامر المعافري. (انظر عنه: المغرب 199 رقم 128) .
[2] في (يتيمة الدهر 2/ 90) .
[3] في (النجوم الزاهرة) : «المدنف» .
[4] هكذا في الأصل.
[5] البيتان قالهما القسطليّ معارضا قصيدة أبي العلاء صاعد بن الحسن اللغوي. قال الحميدي:
وهي طويلة مستحسنة، فساء الظنّ بجودة ما أتى به من الشعر وأتّهم فيه، وكان للشعراء في أيام المنصور [بن] أبي عامر ديوان يرزقون منه على مراتبهم، ولا يخلون بالخدمة بالشعر في مظانّها، فسعى به إلى المنصور، وأنه مستحلّ سارق لا يستحق أن يثّبت في ديوان العطاء، فاستحضره المنصور عشيّ يوم الخميس لثلاث خلون من شوال سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة واختبره، واقترح عليه، فبرّز وسبق، وزالت التهمة عنه، فوصله بمائة دينار، وأجرى عليه الرزق، وأثبته في جملة الشعراء. ثم لم يزل يشهر ويجوّد شعره فيما بعد. (جذوة المقتبس 111) وانظر: (بغية الملتمس 159، والنجوم الزاهرة 3/ 273) .
[6] انظر (العمدة لابن رشيق القيرواني 1/ 78) .
[7] انظر (العمدة) ، وفي (بغية الملتمس 159) : «إذا سربا» بالسين المهملة.
[8] في بغية الملتمس 159: «وظما» .
[9] في: جذوة المقتبس 112: «لمدحك» ، والمثبت يتفق مع (بغية الملتمس 160) .
الصفحة 50
647