كان ذا وَجَاهة وتقدُّم، وحالٍ واسعة. وعَهْدي به وقد أَخْنَى عليه الزمان بصروفِه، وقد قَصَدْتُهُ فِي جماعةٍ مُثْرين لنسمع منه وهو مريض، فَدَخلنا عليه وهو على بارِيَّة [1] ، وعليه جُبّة قد أكلتِ النار أكثرها، وليس عنده ما يُساوي درهمًا، فحمل على نفسه، حَتَّى قرأنا عليه بحسَب شَرَه أَهْل الحديث، وقمنا وهو متحمل للمشقة فِي إكرامنا، فَلَمَّا خرجنا قلت: هَلْ مع سادتنا ما نصرفه إِلَى الشَّيْخ؟ فمالوا إِلَى ذلك، فاجتمع له نحو خمسة مثاقيل، فدَعَوْت ابنته وأعطيتها، ووقفت لأرى تسليمها إليه، فَلَمَّا دخلت وأعطْته لطم حُرَّ وجهه ونادى:
وا فضيحتاه، آخُذُ عَلَى حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِوَضًا، لا والله.
ونهض حافيا ينادي: بحُرْمة ما بيننا إلّا رجعت، فعُدت إليه، فبكى وقال:
تفضحني مع أصحاب الحديث! الموت أهْوَن من ذلك. فأعدتُ الذَّهبَ إِلَى الجماعة، فلم يقبلوه، وتصدَّقوا به [2] .
88- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرحمن [3] .
أبو عبد الله الطّالقانيّ [4] الصّوفيّ.
__________
[1] الباريّة: الحصيرة.
[2] الخبر باختصار شديد في (المنتظم 8/ 271/ 16/ 136، 137) .
وقال ابن ماكولا: كان ثقة في الحديث.
وقال ابن السمعاني: توفي بعد سنة ستين وأربعمائة. (الأنساب 5/ 282) .
[3] انظر عن (محمد الطالقانيّ) في: تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) 39/ 319، 320، ومعجم البلدان 4/ 71، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 23/ 197 رقم 240، والوافي بالوفيات 1/ 273، ولسان الميزان 5/ 372، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي 4/ 357، 358 رقم 1593.
[4] الطّالقاني، بفتح الطاء المهملة، وسكون اللام، بعدها القاف المفتوحة، وفي آخرها النون.
نسبة إلى طالقان: بلدة بين مروالروذ وبلخ مما يلي الجبال، وطالقان: ولاية أيضا عند قزوين.
ويقال للأولى: طالقان خراسان. والثانية: طالقان قزوين. (الأنساب 8/ 175) وقال ابن الأثير أيضا بسكون اللام. (اللباب 2/ 269) .
أما ياقوت فقال:
«الطالقان» : بفتح اللام والقاف. (المشترك وضعا 291، ومعجم البلدان 4/ 71) ومثله قال ابن خلّكان في (وفيات الأعيان 1/ 232) والقزويني في (آثار البلاد وأخبار العباد 402) وابن منظور في (مختصر تاريخ دمشق 23/ 197) .