كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 32)

عليك إلّا ما رجعت إلى مرو، فإنّي لا أطيق فِراقَك.
قال: فانتبهتُ مغمومًا، وقلت: أشاور الشّيخَ سعْد، فمضيتُ إليه وهو قاعد في الحَرَم، ولم أقدر من الزّحام أن أكلّمه، فلمّا تفرق النّاس وقام تبِعْتُه إلى داره، فالتفت إليّ وقال: يا أبا المظفّر، العجوز تنتظرك. ودخل البيت.
فعرفت أنّه تكلّم على ضميري، فرجعتُ مع الحاجّ تلك السّنة [1] .
قال أبو سعْد: كان أبو القاسم حافظًا، متقِنًا، ثقة، ورِعًا، كثير العبادة، صاحب كرامات وآيات. وإذا خرج إلى الحَرَم يُخْلُوا المطاف، ويقبّلون يده أكثر ممّا يقبلون الحجر الأسود [2] .
وقال محمد بن طاهر: ما رأيت مثله، سمعتُ أبا إسحاق الحبّال يقول: لم يكن في الدّنيا مثل أبي القاسم سعْد بن عليّ الزَّنْجانيّ في الفضل. وكان يحضر معنا المجالس، ويُقرأ الخطأ بين يديه، فلا يردّ على أحدٍ شيئًا، إلّا أن يُسأل فيُجيب [3] .
قال ابن طاهر: وسمعت الفقيه هياج بن عبيد إمام الحرم ومفتيه يقول: يوم لا أرى فيه سعد بن علي لا أعتد أني عملت خيرًا.
وكان هياج يعتمر ثلاث مرات [4] . وسيأتي ذكره [5] .
قال ابن طاهر: كان الشّيخ سعْد لمّا عزم على المجاورة عزم على نَيِّفٍ وعشرين عزيمة أنّه يُلْزِمَها نفسَه من المجاهدات والعبادات. ومات بعد أربعين
__________
[1] انظر: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 9/ 248، والخبر ليس في: تاريخ دمشق لابن عساكر، ولعله من زيادات ابن منظور، وتذكرة الحفاظ 3/ 1174، وسير أعلام النبلاء 18/ 385، 386.
[2] الأنساب 6/ 307، المنتظم 8/ 320 (16/ 201) ، تذكرة الحفاظ 3/ 1175.
[3] انظر: تذكرة الحفّاظ 3/ 1175، وسير أعلام النبلاء 18/ 386، وهذا الخبر يتناقض مع الخبر السابق الّذي جاء فيه أن ابن طاهر جربه في الحفظ، فكان يردّ في بعض الحديث، ويسكت في بعضها، ويقول: تركت بين فلان وفلان اسم ف
[4] أي يعتمر في اليوم ثلاث عمر. انظر: معجم البلدان 3/ 1175، وسير أعلام النبلاء 18/ 386.
[5] في وفيات سنة 472 هـ. برقم (61) .

الصفحة 47