كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 34)

[سلطنة محمد على بغداد]
ثمّ أسرع محمد إلى بغداد وفي خدمته صاحب المَوْصِل. وكان ببغداد ملك شاه بْن بَركيَارُوق الصّبيّ الّذي سَلْطَنه الخليفة، وأتابك الصّبيّ إياز. فبرز وأمّن بغداد، وتحالفوا عَلَى حرب محمد، ومَنْعه من السّلطنة [1] .
وجاء محمد ونزل بالجانب الغربيّ، وخُطِب لديه. ثمّ ضعُف إياز والأمراء، فراسلوا محمدًا في الصُّلْح- وليُعطي إيازَ أمانًا عَلَى ما سَلَفَ منه. وتمّ الدَّسْتُ لمحمّد، واجتمعت الكلمة عَلَيْهِ، فاستحلف السّلطانَ إلْكِيا الهرّاسيّ، وأقام السّلطان محمد ببغداد ثلاثة أشهر، وتوجّه إلى أصبهان [2] .
[مقتل إياز أتابك ملك شاه]
وأمّا أياز أتابك [3] ملك شاه، فإنّه لمّا سلّم السّلطنة إلى محمد عمل دعوةً عظيمة، في داره ببغداد، دعى إليها محمدًا، وقدّم لَهُ تُحَفًا، منها الحبل البُلخُشيّ [4] الّذي أخذه من ترِكة مؤيّد المُلْك ابن النّظّام. وحضر مَعَ السّلطان الأمير سيف الدّولة صَدَقَة بْن مَزْيَد. فاعتمد إياز اعتمادًا رديئًا، وهو أَنَّهُ ألبس مماليكه العُدَد والسّلاح ليعرضوا عَلَى محمد، فدخل عليهم رَجُلٌ مَسْخَرَة فقالوا:
لا بُدَّ أنّ نُلْبسك دِرْعًا. وعبثوا بِهِ يصفعونه، حتّى كَلّ وهرب، والْتجأ إلى غلمان السّلطان، فرآه السّلطان مذعورًا وعليه لباسٌ عظيم، فارتاب. ثمّ جسّه غلام، فإذا درْع تحت الثياب الفاخرة، فاستشعر، وقال محمد: إذا كَانَ أصحاب
__________
[1] ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي 147، نهاية الأرب 26/ 357.
[2] الكامل في التاريخ 10/ 384- 387، نهاية الأرب 26/ 358، المختصر في أخبار البشر 2/ 218، دول الإسلام 2/ 28، البداية والنهاية 12/ 164، تاريخ ابن خلدون 3/ 492 و 5/ 34، 35، ابن الوردي 2/ 15، مآثر الإنافة 2/ 14.
[3] أتابك: مصطلح تركي لقّب به أحد كبار أصحاب المناصب ففي عهد السلاجقة: أطلق أوّلا على الوصيّ أو المؤدّب لأمراء الترك الذين كان يعهد بأمر تربيتهم- لحداثة سنّهم إلى بعص الأمراء البارزين الذين يمتّون إليهم بصلة القرابة من جهة الأب، ومن ثمّ كان لقبا ثابتا يطلق على الأمراء الأقوياء. (دائرة المعارف الإسلامية 2/ 45) .
[4] في الكامل في التاريخ 10/ 387 «الحمل البلخش» ، ومثله في نهاية الأرب 26/ 359، وتاريخ ابن خلدون 3/ 493 والبلخش: جوهر يجلب من بلخشان. (معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة، لأدي شير 26) .

الصفحة 64