كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 35)

[دخول السّلطان بغداد]
ودخل السّلطان بغداد في العشرين مِن ربيع الآخر جريدة لَا يبلغ عسكره ألفَيْ فارس، فلمّا اطمأنّ ببغداد، وتحقّق معاندة صَدَقة لَهُ بعث شِحْنة بغداد سُنْقُر البُرْسُقيّ في عسكر، فنزل عَلَى صَرْصَرْ، وبعث بريدًا يستحثّ عساكره فأسرعوا إليه.
[الحرب بين السّلطان وصدقة بْن مَزْيَد]
ثمّ نشبت الحرب بين الفريقين شيئًا فشيئًا، وتراسلوا في الصُّلح غير مُرَّة، فلم يتّفق، وجرت لهم أمور طويلة. ثمّ التقى صَدَقة والسلطان في تاسع عشر رجب، فكانت الأتراك ترمي الرَّشْقَة عشرة آلاف سهْم، فتقع في خيل العرب وأبدانهم. وبقي أصحاب صَدَقة كلمّا حملوا منعهم نهرٌ بين الفريقين مِن الوصول، ومن عَبَر إليهم لم يرجع. وتقاعدت عُبادة وخَفَاجة شفقةً عَلَى خيلها.
وبقي صَدَقة يصيح: يا آل خُزَيْمَة، يا آل ناشرة، ووعد الأكراد بكلّ جميل لَمَّا رَأَى من شجاعتهم. وَكَانَ راكبا على فرسه المهلوب، ولم يكن لأحدٍ مثله، فجُرح الفَرَس ثلاث جراحات. وكان لَهُ فرس آخر قد ركبه حاجبه أبو نصر، فلمّا رَأَى التُّرْكَ قد غشوا صَدَقة هرب عَليْهِ، فناداه صَدَقة، فلم يردّ عَليْهِ.
وحمل صَدَقة عَلَى الأتراك وضرب غلامًا منهم في وجهة بالسّيف، وجعل يفتخر ويقول: أَنَا ملك العرب، أَنَا صَدَقة. فجاءه سهْمٌ في ظهره، وأدركه بزغش [1] مملوك أشلّ، فجذبه عَنْ فَرَسه فوقع فقال: يا غلام أرفق. فضربه بالسّيف قتله، وحمل رأسه إلى السّلطان، وقُتل مِن أصحابه أكثر مِن ثلاثة آلاف فارس، وأُسِر ابنه دُبَيْس، وصاحب جيشه سعيد بن حميد [2] .
__________
[1] في الأصل: «برغش» بالراء المهملة. والتصحيح من: المنتظم 9/ 156 (17/ 108) .
[2] المنتظم 9/ 156، 157 (17/ 108، 109) ، تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 363 (تحقيق سويم) 29، الإنباء في تاريخ الخلفاء لابن العمراني 207، ذيل تاريخ دمشق 159، الكامل في التاريخ 10/ 440- 448، تاريخ الفارقيّ 274، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 25، المختصر في أخبار البشر 2/ 222، 223 نهاية الأرب 26/ 364- 367، دول الإسلام 2/ 29، 30، العبر 4/ 1، تاريخ ابن الوردي 2/ 18، 19، مرآة الجنان 3/ 169، البداية والنهاية 12/ 169، تاريخ ابن خلدون 5/ 38، النجوم الزاهرة 5/ 196، شذرات الذهب 4/ 2.

الصفحة 6