كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 42)

بلفظهما، يقول فِي أحدهما: زلزلةٌ كادت لها الأرض تسير سيرا، والجبال تَمُور مَوْرًا، وما ظنّ أحدٌ من الخلق إلّا أنّها زلزلة السّاعة، وأتت فِي الوقت على دفعتين، فأمّا الدّفعة الأولى فاستمرّت مقدار ساعةٍ أو تزيد عليها، وأمّا الثّانية فكانت دونها، ولكنْ أشدّ منها. وتأثّر منها بعض القلاع، فأوّلها قلعة حماه.
وَفِي الكتاب الآخر إنّها دامت بمقدار ما قرأ سورة «الكهف» ، وأنّ بانياس سقط بعضها، وصَفَد لم يَسْلَمْ بها إلّا ولد صاحبها لا غير، ونابلس لم يبق بها جدارٌ قائمٌ سوى حارة السّمرة، وكذلك أكثر حَوْران، غارت ولم يُعرف لدارٍ بها موضعٌ يُقَالُ فِيهِ هَذِهِ القرية الفلانية.
قلت: هَذَا كذِب وفُجُور من كاتب هَذِهِ المكاتبة أَمَا استحى من اللَّه تعالى! ثُمَّ قال فِيهِ: ويقال إنّ عِرْقة خُسِف بها، وكذلك صافيتا.
قال الموفّق [1] : وأخبرونا أنّ بالمقْس تلّا عظيما عليه رِمَمٌ كثيرة فأتيناه ورأيناه وحدسناه بعشرة آلاف فصاعدا، وهم على طبقاتٍ فِي قُرْب العهد وبعده، فرأينا من شكل العظام ومفاصلها وكيفيَّة اتّصالها وتناسُبها وأوضاعها ما أفادنا عِلمًا لا نستفيده من الكُتُب. ثُمَّ إنّنا دخلنا مصر، فرأينا فيها دروبا وأسواقا عظيمة كَانَتْ [2] مغتصَّة بالزّحام، والجميع خالٍ ليس فِيهِ إلّا عابر سبيل.
وخرجنا إِلَى سِكرِجَة فِرْعَون، فرأينا الأقطار كلّها مغتصَّة بالْجُثَث والرِّمَم، وقد غلبت على الآكام بحيث جلّلتها. ورأينا في هذه الأسكرجة، وهي عظيمة، الجماجم بيضاء وسوداء ودَكناء. وقد أخفى كثرتها وتراكمها
__________
[ () ] والاعتبار، ونشر باسم «مختصر أخبار مصر» وقد نشره غاستون فييت، لندن، سنة 1800 م، وكتب المؤلّف كتابه في سنة 600 هـ.
[1] هو عبد اللطيف البغدادي في كتابه: الإفادة والاعتبار.
[2] في الأصل: «كان» .

الصفحة 37