قال الأبّار: شاعر بَلَنسية الفَحْل المستبحر في الآداب واللُّغات. روى عن أبي عبد الله بن حميد. وكان عالما بفنون الآداب، حافظا لأشعارِ العرب وأيامها، شاعرا مُفْلقًا، اعترف لَهُ بالسّبق بُلَغَاءُ وقتِه، ودَوَّن شِعره في مجلَّدتين.
ولَهُ مقصورة كالدُرَيْدِيَّة سمعتُها منه، وصحبتُه مُدَّة، وأخذ عنه أصحابُنا. وُلِدَ سَنةَ إحدى وخمسين. وتُوُفّي في ثامن عشر شعبان.
قال ابن مَسْدِيّ: كَانَ إنْ نَظَم أعجزَ وأَبْدع، وإنْ نَثَرَ أَوْجَزَ وأَبْلَغَ، سَحَبَ ذَيْلَ الفصاحةِ على سُحْبَانِها، ونبغ بإحسان على نابغتها وحسَّانها. سَمِعْتُ من تواليفه، فمن ذلك:
يا صَاحِبَيَّ ومَا البَخِيلُ بِصَاحِبي ... هذِي الخِيَامُ فأين تِلْكَ الأَدْمُعُ
أَتَمُرُّ بالعَرصَاتِ لا تبكي بها ... وهي المعاهد منهم والأربع
يا سَعْدُ مَا هذَا المُقَامُ وَقْد نَأَوْا ... أَتُقِيمُ مِن بَعْدِ القُلُوبِ الأَضْلُعُ
وأَبَى الهَوى إلا الحُلُولَ بلَعْلَعٍ ... وَيْحَ المَطَايَا أَيْنَ مِنْهَا لَعْلَعُ
لَمْ أَدْرِ أَيْنَ ثَوَوْا فَلَمْ أَسْأَلْ بِهِمْ ... رِيحًا تَهُبُّ ولا بَرِيقًا يَلْمَعُ
119- عليُ بن منصور [1] بن عبد الله. أبو الحَسَن، اللُّغَويّ.
كَانَ علَّامةً في اللّغة، بصيرا بالعربيَّةِ، فقيها في مذهب الشافعيّ.
أخذ عن الكمال الأنباريّ، إلّا أنَّه كَانَ ضَجُورًا يأبى التَّصَدُّر والتّصدير للإشغال، ولم يتأهَّلْ قَطُّ. وكان مقيما بالنظامِيَّةِ، وكان أحدَ الأذكياء، حفظ «المُجْمَل» لابن فارس، كلَّ يوم كرّاسا، وحفظ «إصلاح المنطق» وأشياء كثيرة، وكان سريع الحفظ. وعاش بضعا وسبعين سنة [2] .
__________
[1] انظر عن (علي بن منصور) في: معجم الأدباء 15/ 81- 83، والمختار من تاريخ ابن الجزري 126، 127، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 349، وطبقات الشافعية لابن كثير، ورقة 163 ب، وبغية الوعاة 2/ 207، 208.
[2] وقال ياقوت الحموي: ولا أعلم له في زمانه نظيرا في علم اللغة، فإنه حدّثني أنه كان في صباه يكتب كل يوم نصف جزء خمس قوائم من كتاب «مجمل اللغة» لابن فارس ويحفظه ويقرأه على عليّ بن عبد الرحيم السلمي المعروف بابن القصّار، حتى أنهى الكتاب حفظا وكتابة، وحفظ إصلاح المنطق في أيسر مدّة، وحفظ غير ذلك من كتب اللّغة والفقه والنحو، وطالع أكثر كتب الأدب، وهو حفظة لكثير من الأشعار والأخبار، ممتع المحاضرة إلا أنه