كتاب تاريخ الإسلام ت تدمري (اسم الجزء: 46)

[حصار دمشق]
ثمّ جاء عسكرُ الكاملِ صاحبُ مصر إلى قريب دمشق، فحَصَّنَها أَبُو الخِيش، وقَسَم الأبرجةَ عَلَى الأمراء. وجاءَ عزُّ الدّين أيبك من صَرْخَد، فأمَرَ بفتح الأبواب. وجاءَ لأجلِ الكاملِ النّاصر دَاوُد صاحبُ الكَرَك فَنَزل المِزَّة، ونَزَل مجيرُ الدّين، وتقيّ الدّين ابنا العادل بالقَابُون، وقَدِمَ الكاملُ، فنزل عنَد مسجد القَدَم، وقُطِعَت المياهُ عَنِ المدينَة، ووقع الحصارُ، وغَلَتِ الأسعارُ، وسُدَّ أكثرُ أبواب البلدِ. ورَدَّ الكاملُ ماءَ بَرَدَى إلى ثَوْرَى وغيره. وأحرَقَ أَبُو الخِيش العُقَيْبَةَ والطّواحين لئلَّا يحتميَ المصريّون. وزَحفَ النّاصرُ دَاوُد إلى باب تُوماءَ، ووُصِلت النّقوبُ، ولم يبقَ إلّا فتحُ البلد. ثمّ تأخَّر النّاصر إلى وطاة بَرْزَة، جاءَه أمرُ الكامل بذلك لئلَّا يفتحَ البلدَ عَلَى يدهِ، وأحرق قصَر حَجّاج والشاغورَ، وتعثَّرَ النّاسُ وتمَّتْ قبائحُ.
ثمّ آلَ الأمرُ إلى أن أُعطي الصّالح إِسْمَاعِيل بَعْلَبَكَّ وبُصْرى، وأُخِذَت منه دمشقُ. ودخلَ الكاملُ القَلْعَة فِي نصف جُمَادَى الأُولى وما هَنَّأَهُ الله بها، بل ماتَ بعد شهرين بدمشقَ. فبُهِتَ الخلقُ ولم يَتَحَزَّنوا عَلَيْهِ لجبروته [1] .
[الوقعة بين النّاصر صاحب الكرك والجواد صاحب دمشق]
ثمّ اجتمع عزّ الدّين أيْبك، وسيفُ الدّين عَلِيّ بْن قلِيج، وعمادُ الدّين وفخرُ الدّين ابنا شيخ الشّيوخ، والركنُ الهَكّاريّ [2] ، وتَشَاوَرُوا، فانفصلوا عَلَى غير شيء. وكان الناصرُ دَاوُد بدار سامة، فجاءَه الركنُ الهكّاريّ فبيَّن له
__________
[1] انظر خبر الحصار في: زبدة الحلب 3/ 233- 235، ومفرّج الكروب 5/ 150- 153، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 717، وتاريخ المسلمين لابن العميد 143، والمختصر في أخبار البشر 3/ 160، والدرّ المطلوب 325، ونهاية الأرب 29/ 224- 226، ودول الإسلام 2/ 139، والمختار من تاريخ ابن الجزري 168، وتاريخ ابن الوردي 2/ 165، ومرآة الجنان 4/ 87، والبداية والنهاية 13/ 148، وتاريخ ابن خلدون 5/ 355، ومآثر الإنافة 2/ 802، والسلوك ج 1 ق 2/ 256، 257، وتاريخ ابن سباط 1/ 312، 313.
[2] في المختار من تاريخ ابن الجزري- بخط المؤلّف- رحمه الله: «الهيجاري» ، وكذا في المرآة.

الصفحة 23