كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 1)

ظلمتكم شيئا؟ قالوا: لا قال: فذلك فضلى أي: الزائد على ما أعطيتكم أؤتيه من أشاء كما قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [الحديد: 28، 29] .
__________
(1) صحيح البخاري برقم (5021).
(2) المسند (5/ 3) وسنن الترمذي برقم (3001) وسنن ابن ماجة برقم (4287، 4288) وقال الترمذي: "حديث حسن".
الوصايا بكتاب الله
حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا مالك بن مِغْول، حدثنا طلحة بن مُصَرِّف قال: " سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. فقلت: كيف كتب على الناس الوصية، أمروا بها ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله، عز وجل " (1) .
وقد رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة، إلا أبا داود من طرق عن مالك بن مغول به (2) وهذا نظير ما تقدم عن ابن عباس: " ما ترك إلا ما بين الدفتين " ، وذلك أن الناس كتب عليهم الوصية في أموالهم كما قال تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ } [البقرة: 180] . وأما هو صلى الله عليه وسلم فلم يترك شيئا يورث عنه، وإنما ترك ماله صدقة جارية من
__________
(1) صحيح البخاري برقم (5022).
(2) صحيح البخاري برقم (2740 ،4460) وصحيح مسلم برقم (1634) وسنن الترمذي برقم (2119) وسنن النسائي (6/ 0 24) وسنن ابن ماجة برقم (2696).
بعده، فلم يحتج إلى وصية في ذلك ولم يوصِ إلى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرا من إشارته وإيمائه إلى الصديق؛ ولهذا لما هم بالوصية إلى أبي بكر ثم عدل عن ذلك فقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " (1) وكان كذلك، وإنما أوصى الناس باتباع كتاب الله تعالى. من لم يتغن بالقرآن وقول الله تعالى:
{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } [العنكبوت: 51].
82@@@

الصفحة 81