كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 8)
عَلَى سُنَّتك .
فَإِذَا هِيَ شَجَرَة يَخْرُج مِنْ أَصْلهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن وَأَنْهَار مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه وَأَنْهَار مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَار مِنْ عَسَل مُصَفًّى وَهِيَ شَجَرَة يَسِير الرَّاكِب فِي ظِلّهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقْطَعهَا وَالْوَرَقَة مِنْهَا تُغَطِّي الْأُمَّة كُلّهَا قَالَ فَغَشِيَهَا نُور الْخَلَّاق عَزَّ وَجَلَّ وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَة أَمْثَال الْغِرْبَان حِين يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَرَة مِنْ حُبّ الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالُوا فَكَلَّمَهُ اللَّه عِنْد ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ سَلْ فَقَالَ إِنَّك اِتَّخَذْت إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَأَعْطَيْته مُلْكًا عَظِيمًا وَكَلَّمْت مُوسَى تَكْلِيمًا وَأَعْطَيْت دَاوُد مُلْكًا عَظِيمًا وَأَلَنْت لَهُ الْحَدِيد وَسَخَّرْت لَهُ الْجِبَال وَأَعْطَيْت سُلَيْمَان مُلْكًا وَسَخَّرْت لَهُ الْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّيَاطِين وَسَخَّرْت لَهُ الرِّيَاح وَأَعْطَيْت لَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده وَعَلَّمْت عِيسَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَجَعَلْته يُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِك وَأَعَذْته وَأُمّه مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمَا سَبِيل فَقَالَ لَهُ الرَّبّ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ اِتَّخَذْتُك خَلِيلًا - وَهُوَ مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة حَبِيب الرَّحْمَن - وَأَرْسَلْتُك إِلَى النَّاس كَافَّة بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَشَرَحْت لَك صَدْرك وَوَضَعْت عَنْك وِزْرك وَرَفَعْت لَك ذِكْرك فَلَا أُذْكَر إِلَّا ذُكِرْت مَعِي وَجَعَلْت أُمَّتك خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَجَعَلْت أُمَّتك أُمَّة وَسَطًا وَجَعَلْت أُمَّتك هُمْ الْأَوَّلِينَ وَهُمْ الْآخِرِينَ وَجَعَلْت أُمَّتك لَا تَجُوز لَهُمْ خُطْبَة حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّك عَبْدِي وَرَسُولِي وَجَعَلْت مِنْ أُمَّتك أَقْوَامًا قُلُوبهمْ أَنَاجِيلهمْ وَجَعَلْتُك أَوَّل النَّبِيِّينَ خَلْقًا وَآخِرهمْ بَعْثًا وَأَوَّلهمْ يُقْضَى لَهُ وَأَعْطَيْتُك سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي لَمْ يُعْطَهَا نَبِيّ قَبْلك وَأَعْطَيْتُك خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة مِنْ كَنْز تَحْت الْعَرْش لَمْ أُعْطِهَا نَبِيًّا قَبْلك وَأَعْطَيْتُك الْكَوْثَر وَأَعْطَيْتُك ثَمَانِيَة أَسْهُم الْإِسْلَام وَالْهِجْرَة وَالْجِهَاد وَالصَّلَاة وَالصَّدَقَة وَصَوْم رَمَضَان وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر وَجَعَلْتُك فَاتِحًا خَاتَمًا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَضَّلَنِي رَبِّي بِسِتٍّ : أَعْطَانِي فَوَاتِح الْكَلَام وَخَوَاتِيمه وَجَوَامِع الْحَدِيث وَأَرْسَلَنِي إِلَى النَّاس كَافَّة بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَقَذَفَ فِي قُلُوب أَعْدَائِي الرُّعْب مِنْ مَسِيرَة شَهْر وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِم وَلَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْض كُلّهَا طَهُورًا وَمَسْجِدًا قَالَ وَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاة فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُوسَى قَالَ بِمَ أُمِرْت يَا مُحَمَّد قَالَ بِخَمْسِينَ صَلَاة قَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم
424@@@
الصفحة 423