كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 8)

الْمَقْدِس فَرَكِبَ الْبُرَاق وَعَادَ إِلَى مَكَّة بِغَلَسٍ وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم .
وَأَمَّا عَرْض الْآنِيَة عَلَيْهِ مِنْ اللَّبَن وَالْعَسَل أَوْ اللَّبَن وَالْخَمْر أَوْ اللَّبَن وَالْمَاء أَوْ الْجَمِيع فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ فِي بَيْت الْمَقْدِس وَجَاءَ أَنَّهُ فِي السَّمَاء وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَاهُنَا وَهَاهُنَا لِأَنَّهُ كَالضِّيَافَةِ لِلْقَادِمِ وَاَللَّه أَعْلَم .
ثُمَّ اِخْتَلَفَ النَّاس هَلْ كَانَ الْإِسْرَاء بِبَدَنِهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَرُوحه أَوْ بِرُوحِهِ فَقَطْ عَلَى قَوْلَيْنِ فَالْأَكْثَرُونَ مِنْ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ أُسْرِيَ بِبَدَنِهِ وَرُوحه يَقَظَة لَا مَنَامًا وَلَا يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى قَبْل ذَلِكَ مَنَامًا ثُمَّ رَآهُ بَعْده يَقَظَة لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْل فَلَق الصُّبْح وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى " سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْله" فَالتَّسْبِيح إِنَّمَا يَكُون عِنْد الْأُمُور الْعِظَام فَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِير شَيْء وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَعْظَمًا وَلَمَا بَادَرَتْ كُفَّار قُرَيْش إِلَى تَكْذِيبه وَلَمَا اِرْتَدَّتْ جَمَاعَة مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَبْد عِبَارَة عَنْ مَجْمُوع الرُّوح وَالْجَسَد وَقَدْ قَالَ " أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا " قَالَ تَعَالَى " وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ " قَالَ اِبْن عَبَّاس هِيَ رُؤْيَا عَيْن أُرِيَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة هِيَ شَجَرَة الزَّقُّوم .
رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَقَالَ تَعَالَى " مَا زَاغَ الْبَصَر وَمَا طَغَى " وَالْبَصَر مِنْ آلَات الذَّات لَا الرُّوح وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاق وَهُوَ دَابَّة بَيْضَاء بَرَّاقَة لَهَا لَمَعَان وَإِنَّمَا يَكُون هَذَا لِلْبَدَنِ لَا لِلرُّوحِ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاج فِي حَرَكَتهَا إِلَى مَرْكَب تَرْكَب عَلَيْهِ وَاَللَّه أَعْلَم .
وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُوحِهِ لَا بِجَسَدِهِ قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن يَسَار فِي السِّيرَة حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن عُتْبَة بْن الْمُغِيرَة بْن الْأَخْنَس أَنَّ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَتْ رُؤْيَا مِنْ اللَّه صَادِقَة
433@@@

الصفحة 432