كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 10)

طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)
وَقَوْله تَعَالَى : " تِلْكَ آيَات " أَيْ هَذِهِ آيَات " الْقُرْآن وَكِتَاب مُبِين " أَيْ بَيِّن وَاضِح.
هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
أَيْ إِنَّمَا تَحْصُل الْهِدَايَة وَالْبِشَارَة مِنْ الْقُرْآن لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ وَأَقَامَ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَآتَى الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وَأَيْقَنَ بِالدَّارِ الْآخِرَة وَالْبَعْث بَعْد الْمَوْت وَالْجَزَاء عَلَى الْأَعْمَال خَيْرهَا وَشَرّهَا وَالْجَنَّة وَالنَّار كَمَا قَالَ تَعَالَى " قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانهمْ وَقْر " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى : " لِتُبَشِّر بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِر بِهِ قَوْمًا لُدًّا " .
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
أَيْ يَكْذِبُونَ بِهَا وَيَسْتَبْعِدُونَ وُقُوعهَا" زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالهمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ " أَيْ حَسَّنَّا لَهُمْ مَا هُمْ فِيهِ وَمَدَدْنَا لَهُمْ فِي غَيّهمْ فَهُمْ يَتِيهُونَ فِي ضَلَالهمْ وَكَانَ هَذَا جَزَاء عَلَى مَا كَذَّبُوا مِنْ الدَّار الْآخِرَة كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّة " .
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)
" أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوء الْعَذَاب " أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة " وَهُمْ فِي الْآخِرَة هُمْ الْأَخْسَرُونَ" أَيْ لَيْسَ يَخْسَر أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْل الْمَحْشَر .
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
أَيْ : وَإِنَّك " يَا مُحَمَّد " لَتُلَقَّى أَيْ : لَتَأْخُذ الْقُرْآن مِنْ لَدُنْ حَكِيم عَلِيم أَيْ : مِنْ عِنْد حَكِيم عَلِيم أَيْ حَكِيم فِي أَمْره وَنَهْيه عَلِيم بِالْأُمُورِ جَلِيلهَا وَحَقِيرهَا فَخَبَره هُوَ الصِّدْق الْمَحْض وَحُكْمه هُوَ الْعَدْل التَّامّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّك صِدْقًا وَعَدْلًا " .
392@@@

الصفحة 391