كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 11)

.
قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)
قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ

" قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَر مِثْلنَا " أَيْ فَكَيْفَ أُوحِيَ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ بَشَر وَنَحْنُ بَشَر فَلِمَ لَا أُوحِيَ إِلَيْنَا مِثْلكُمْ وَلَوْ كُنْتُمْ رُسُلًا لَكُنْتُمْ مَلَائِكَة وَهَذِهِ شُبْهَة كَثِير مِنْ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة كَمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَر يَهْدُونَنَا " أَيْ اِسْتَعْجَبُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَنْكَرُوهُ وَقَوْله تَعَالَى : " قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَر مِثْلنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِين " وَقَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَنْهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى " وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ " وَقَوْله تَعَالَى : " وَمَا مَنَعَ النَّاس أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّه بَشَرًا رَسُولًا " .
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ

وَلِهَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ " مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَر مِثْلنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَن مِنْ شَيْء إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قَالُوا رَبّنَا يَعْلَم إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ " أَيْ أَجَابَتْهُمْ رُسُلهمْ الثَّلَاثَة قَائِلِينَ اللَّه يَعْلَم أَنَّا رُسُله إِلَيْكُمْ وَلَوْ كُنَّا كَذَبَة عَلَيْهِ لَانْتَقَمَ مِنَّا أَشَدّ الِانْتِقَام وَلَكِنَّهُ سَيُعِزُّنَا وَيَنْصُرنَا عَلَيْكُمْ وَسَتَعْلَمُونَ لِمَنْ تَكُون عَاقِبَة الدَّار كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " قُلْ كَفَى بِاَللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنكُمْ شَهِيدًا يَعْلَم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاَللَّهِ أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ ".
وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)
وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ

" وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبِين " يَقُولُونَ إِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُبَلِّغكُمْ مَا أُرْسِلْنَا بِهِ إِلَيْكُمْ فَإِذَا أَطَعْتُمْ كَانَتْ لَكُمْ السَّعَادَة فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى وَإِنْ لَمْ تُجِيبُوا فَسَتَعْلَمُونَ غِبّ ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ

فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ أَهْل الْقَرْيَة " إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ " أَيْ لَمْ نَرَ عَلَى وُجُوهكُمْ خَيْرًا فِي عَيْشنَا .
وَقَالَ قَتَادَة يَقُولُونَ إِنْ أَصَابَنَا شَرّ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلكُمْ .
وَقَالَ مُجَاهِد يَقُولُونَ لَمْ يَدْخُل مِثْلكُمْ إِلَى قَرْيَة إِلَّا عُذِّبَ أَهْلهَا " لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ " قَالَ قَتَادَة بِالْحِجَارَةِ وَقَالَ مُجَاهِد بِالشَّتْمِ " وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَاب أَلِيم " أَيْ عُقُوبَة شَدِيدَة فَقَالَتْ لَهُمْ رُسُلهمْ .
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ

" طَائِركُمْ مَعَكُمْ " أَيْ مَرْدُود عَلَيْكُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قَوْم فِرْعَوْن " فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَة قَالُوا لَنَا
353@@@

الصفحة 352