كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 11)

" أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ " أَيْ جَعَلْنَا رِزْقًا لَهُمْ وَلِأَنْعَامِهِمْ .
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ

" وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّات مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُون " أَيْ جَعَلْنَا فِيهَا أَنْهَارًا سَارِحَة فِي أَمْكِنَة يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا .
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ

" لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَره " ; لَمَّا اِمْتَنَّ عَلَى خَلْقه بِإِيجَادِ الزُّرُوع لَهُمْ عَطَفَ بِذِكْرِ الثِّمَار وَتَنَوُّعهَا وَأَصْنَافهَا وَقَوْله جَلَّ وَعَلَا " وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ " أَيْ وَمَا ذَاكَ كُلّه إِلَّا مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى بِهِمْ لَا بِسَعْيِهِمْ وَلَا كَدّهمْ وَلَا بِحَوْلِهِمْ وَقُوَّتهمْ قَالَهُ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَقَتَادَة وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " أَفَلَا يَشْكُرُونَ " أَيْ فَهَلَّا يَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذِهِ النِّعَم الَّتِي لَا تُعَدّ وَلَا تُحْصَى وَاخْتَارَ اِبْن جَرِير - بَلْ جَزَمَ بِهِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْره إِلَّا اِحْتِمَالًا - أَنَّ مَا فِي قَوْله تَعَالَى : " وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ " بِمَعْنَى الَّذِي تَقْدِيره لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَره وَمِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ أَيْ غَرَسُوهُ وَنَصَبُوهُ قَالَ وَهِيَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ " لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَره وَمِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ " .
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ

ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " سُبْحَان الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاج كُلّهَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض " أَيْ مِنْ زُرُوع وَثِمَار وَنَبَات " وَمِنْ أَنْفُسهمْ " فَجَعَلَهُمْ ذَكَرًا وَأُنْثَى " وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ " أَيْ مِنْ مَخْلُوقَات شَتَّى لَا يَعْرِفُونَهَا كَمَا قَالَ جَلَّتْ عَظَمَته " وَمِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " .
وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ

يَقُول تَعَالَى وَمِنْ الدَّلَالَة لَهُمْ عَلَى قُدْرَته تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعَظِيمَة خَلْق اللَّيْل وَالنَّهَار هَذَا بِظَلَامِهِ وَهَذَا بِضِيَائِهِ وَجَعْلُهُمَا يَتَعَاقَبَانِ يَجِيء هَذَا فَيَذْهَب هَذَا وَيَذْهَب هَذَا فَيَجِيء هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : " يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حَثِيثًا " وَلِهَذَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ هَهُنَا " وَآيَة لَهُمْ اللَّيْل نَسْلَخ مِنْهُ النَّهَار " أَيْ نَصْرِمهُ مِنْهُ فَيَذْهَب فَيُقْبِل اللَّيْل وَلِهَذَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ " كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث " إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْل مِنْ هَهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَار مِنْ هَهُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْس فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِم " هَذَا هُوَ الظَّاهِر مِنْ الْآيَة وَزَعَمَ قَتَادَة أَنَّهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل " وَقَدْ ضَعَّفَ اِبْن جَرِير قَوْل قَتَادَة هَهُنَا وَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى الْإِيلَاج الْأَخْذ مِنْ هَذَا فِي هَذَا وَلَيْسَ هَذَا مُرَادًا فِي هَذِهِ الْآيَة وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ اِبْن جَرِير حَقّ .
361@@@

الصفحة 360