كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 12)

وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِذَلِكَ شَجَرَة وَاحِدَة مُعَيَّنَة كَمَا قَالَ بَعْضهمْ إِنَّهَا شَجَرَة تَمْتَدُّ فُرُوعهَا إِلَى جَمِيع مَحَالّ جَهَنَّم كَمَا أَنَّ شَجَرَة طُوبَى مَا مِنْ دَار فِي الْجَنَّة إِلَّا وَفِيهَا مِنْهَا غُصْن وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِذَلِكَ جِنْس شَجَر يُقَال لَهُ الزَّقُّوم كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَشَجَرَة تَخْرُج مِنْ طُور سَيْنَاء تَنْبُت بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ " يَعْنِي الزَّيْتُونَة وَيُؤَيِّد ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى " ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَر مِنْ زَقُّوم " .
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ

قَالَ قَتَادَة ذُكِرَتْ شَجَرَة الزَّقُّوم فَافْتُتِنَ بِهَا أَهْل الضَّلَالَة وَقَالُوا صَاحِبكُمْ يُنَبِّئكُمْ أَنَّ فِي النَّار شَجَرَة وَالنَّار تَأْكُل الشَّجَر فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّهَا شَجَرَة تَخْرُج فِي أَصْل الْجَحِيم " غُذِّيَتْ مِنْ النَّار وَمِنْهَا خُلِقَتْ وَقَالَ مُجَاهِد " إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَة لِلظَّالِمِينَ " قَالَ أَبُو جَهْل لَعَنَهُ اللَّه إِنَّمَا الزَّقُّوم التَّمْر وَالزُّبْد أَتَزَقَّمُهُ قُلْت وَمَعْنَى الْآيَة إِنَّمَا أَخْبَرْنَاك يَا مُحَمَّد بِشَجَرَةِ الزَّقُّوم اِخْتِبَارًا نَخْتَبِر بِهِ النَّاس مَنْ يُصَدِّق مِنْهُمْ مِمَّنْ يُكَذِّب كَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن وَنُخَوِّفهُمْ فَمَا يَزِيدهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا " .
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ

قَوْله تَعَالَى " إِنَّهَا شَجَرَة تَخْرُج فِي أَصْل الْجَحِيم " أَيْ أَصْل مَنْبَتهَا فِي قَرَار النَّار طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوس الشَّيَاطِين تَبْشِيع لَهَا وَتَكْرِيهٌ لِذِكْرِهَا .
قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه شُعُور الشَّيَاطِين قَائِمَة إِلَى السَّمَاء وَإِنَّمَا شَبَّهَهَا بِرُءُوس الشَّيَاطِين وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَة عِنْد الْمُخَاطَبِينَ لِأَنَّهُ قَدْ اِسْتَقَرَّ فِي النُّفُوس أَنَّ الشَّيَاطِين قَبِيحَة الْمَنْظَر وَقِيلَ الْمُرَاد بِذَلِكَ ضَرْب مِنْ الْحَيَّات رُءُوسُهَا بَشِعَة الْمَنْظَر وَقِيلَ جِنْس مِنْ النَّبَات طَلْعُهُ فِي غَايَة الْفَحَاشَة وَفِي هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ نَظَر وَقَدْ ذَكَرَهُمَا اِبْن جَرِير وَالْأَوَّل أَقْوَى وَأَوْلَى وَاَللَّه أَعْلَم .
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ

قَوْله تَعَالَى " إِنَّهَا شَجَرَة تَخْرُج فِي أَصْل الْجَحِيم " أَيْ أَصْل مَنْبَتهَا فِي قَرَار النَّار طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوس الشَّيَاطِين تَبْشِيع لَهَا وَتَكْرِيهٌ لِذِكْرِهَا .
قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه شُعُور الشَّيَاطِين قَائِمَة إِلَى السَّمَاء وَإِنَّمَا شَبَّهَهَا بِرُءُوسِ الشَّيَاطِين وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَة عِنْد الْمُخَاطَبِينَ لِأَنَّهُ قَدْ اِسْتَقَرَّ فِي النُّفُوس أَنَّ الشَّيَاطِين قَبِيحَة الْمَنْظَر وَقِيلَ الْمُرَاد بِذَلِكَ ضَرْب مِنْ الْحَيَّات رُءُوسُهَا بَشِعَة الْمَنْظَر وَقِيلَ جِنْس مِنْ النَّبَات طَلْعه فِي غَايَة الْفَحَاشَة وَفِي هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ نَظَر وَقَدْ ذَكَرَهُمَا اِبْن جَرِير وَالْأَوَّل أَقْوَى وَأَوْلَى وَاَللَّه أَعْلَم .
فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ

ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة الَّتِي لَا أَبْشَع مِنْهَا وَلَا أَقْبَح مِنْ مَنْظَرِهَا مَعَ مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ سُوء الطَّعْم وَالرِّيح وَالطَّبْع فَإِنَّهُمْ لَيَضْطَرُّونَ إِلَى الْأَكْل مِنْهَا لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ إِلَّا إِيَّاهَا وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى " لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوع "
27@@@

الصفحة 26