كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 12)

يَقُول تَعَالَى وَلَئِنْ سَأَلْت يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ الْعَابِدِينَ مَعَهُ غَيْره " مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيز الْعَلِيم " أَيْ لَيَعْتَرِفُنَّ بِأَنَّ الْخَالِق لِذَلِكَ هُوَ اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَهُمْ مَعَ هَذَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْره مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَنْدَاد .
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

أَيْ فِرَاشًا قَرَارًا ثَابِتَة تَسِيرُونَ عَلَيْهَا وَتَقُومُونَ وَتَنَامُونَ وَتَنْصَرِفُونَ مَعَ أَنَّهَا مَخْلُوقَة عَلَى تَيَّار الْمَاء لَكِنَّهُ أَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ لِئَلَّا تَمِيد هَكَذَا وَلَا هَكَذَا " وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا" أَيْ طُرُقًا بَيْن الْجِبَال وَالْأَوْدِيَة " لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" أَيْ فِي سَيْركُمْ مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد وَقُطْر إِلَى قُطْر وَإِقْلِيم إِلَى إِقْلِيم .
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ

أَيْ بِحَسَبِ الْكِفَايَة لِزُرُوعِكُمْ وَثِمَاركُمْ وَشُرْبكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ وَقَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى " فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَة مَيْتًا " أَيْ أَرْضًا مَيْتَة فَلَمَّا جَاءَهَا الْمَاء اِهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلّ زَوْج بَهِيج ثُمَّ نَبَّهَ تَعَالَى بِإِحْيَاءِ الْأَرْض عَلَى إِحْيَاء الْأَجْسَاد يَوْم الْمَعَاد بَعْد مَوْتهَا فَقَالَ " كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ " .
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ

أَيْ مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض مِنْ سَائِر الْأَصْنَاف مِنْ نَبَات وَزُرُوع وَثِمَار وَأَزَاهِير وَغَيْر ذَلِكَ وَمِنْ الْحَيَوَانَات عَلَى اِخْتِلَاف أَجْنَاسهَا وَأَصْنَافهَا" وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْك " أَيْ السُّفُن " وَالْأَنْعَام مَا تَرْكَبُونَ " أَيْ ذَلَّلَهَا لَكُمْ وَسَخَّرَهَا وَيَسَّرَهَا لِأَكْلِكُمْ لُحُومهَا وَشُرْبكُمْ أَلْبَانهَا وَرُكُوبكُمْ ظُهُورهَا .
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ

أَيْ لِتَسْتَوُوا مُتَمَكِّنِينَ مُرْتَفِعِينَ " عَلَى ظُهُوره " أَيْ عَلَى ظُهُور هَذَا الْجِنْس " ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَة رَبّكُمْ " أَيْ فِيمَا سَخَّرَ لَكُمْ " إِذَا اِسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَان الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ " أَيْ مُقَاوِمِينَ وَلَوْلَا تَسْخِير اللَّه لَنَا هَذَا مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَابْن زَيْد : مُقْرِنِينَ أَيْ مُطِيقِينَ .
وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا
302@@@

الصفحة 301