كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 12)
وَقَوْله تَعَالَى " وَوَقَاهُمْ عَذَاب الْجَحِيم " أَيْ مَعَ هَذَا النَّعِيم الْعَظِيم الْمُقِيم قَدْ وَقَاهُمْ وَسَلَّمَهُمْ وَنَجَّاهُمْ وَزَحْزَحَهُمْ عَنْ الْعَذَاب الْأَلِيم فِي دَرَكَات الْجَحِيم فَحَصَلَ لَهُمْ الْمَطْلُوب وَنَجَّاهُمْ مِنْ الْمَرْهُوب .
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ " فَضْلًا مِنْ رَبّك ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم " أَيْ إِنَّمَا كَانَ هَذَا بِفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانه إِلَيْهِمْ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " اِعْمَلُوا وَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا لَنْ يُدْخِلهُ عَمَله الْجَنَّة " قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدنِي اللَّه بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْل.
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى " فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " أَيْ إِنَّمَا يَسَّرْنَا هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ سَهْلًا وَاضِحًا بَيِّنًا جَلِيًّا بِلِسَانِك الَّذِي هُوَ أَفْصَح اللُّغَات وَأَجْلَاهَا وَأَحْلَاهَا وَأَعْلَاهَا " لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " أَيْ يَتَفَهَّمُونَ وَيَعْلَمُونَ ثُمَّ لَمَّا كَانَ مَعَ هَذَا الْوُضُوح وَالْبَيَان مِنْ النَّاس مَنْ كَفَرَ وَخَالَفَ وَعَانَدَ قَالَ اللَّه تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَلِّيًا لَهُ وَوَاعِدًا لَهُ بِالنَّصْرِ وَمُتَوَعِّدًا لِمَنْ كَذَّبَهُ بِالْعَطَبِ وَالْهَلَاك .
فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ
" فَارْتَقِبْ " أَيْ اِنْتَظِرْ" إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ " أَيْ فَسَيَعْلَمُونَ لِمَنْ تَكُون النُّصْرَة وَالظَّفَر وَعُلُوّ الْكَلِمَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِنَّهَا لَك يَا مُحَمَّد وَلِإِخْوَانِك مِنْ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَمَنْ اِتَّبَعَكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " كَتَبَ اللَّه لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " إِنَّا لَنَنْصُر رُسُلنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد يَوْم لَا يَنْفَع الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتهمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَة وَلَهُمْ سُوء الدَّار " آخِر تَفْسِير سُورَة الدُّخَان وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة وَبِهِ التَّوْفِيق وَالْعِصْمَة .
356@@@
الصفحة 355