كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 12)

الصَّالِحَات أَيْ آمَنَتْ قُلُوبهمْ وَعَمِلَتْ جَوَارِحهمْ الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَهِيَ الْخَالِصَة الْمُوَافِقَة لِلشَّرْعِ فَيُدْخِلهُمْ رَبّهمْ فِي رَحْمَته وَهِيَ الْجَنَّة كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَم بِك مَنْ أَشَاء ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْمُبِين أَيْ الْبَيِّن الْوَاضِح .
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ أَيْ يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا أَمَا قُرِئَتْ عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه تَعَالَى فَاسْتَكْبَرْتُمْ عَنْ اِتِّبَاعهَا وَأَعْرَضْتُمْ عَنْ سَمَاعهَا وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ فِي أَفْعَالكُمْ مَعَ مَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ مِنْ التَّكْذِيب .
وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)
وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ

وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ وَالسَّاعَة لَا رَيْب فِيهَا أَيْ إِذَا قَالَ لَكُمْ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَة أَيْ لَا نَعْرِفهَا إِنْ نَظُنّ إِلَّا ظَنًّا أَيْ إِنْ نَتَوَهَّم وُقُوعهَا إِلَّا تَوَهُّمًا أَيْ مَرْجُوحًا وَلِهَذَا قَالَ وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ أَيْ بِمُتَحَقِّقِينَ .
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33)
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

قَالَ اللَّه تَعَالَى وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَات مَا عَمِلُوا أَيْ وَظَهَرَ لَهُمْ عُقُوبَة أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة وَحَاقَ بِهِمْ أَيْ أَحَاطَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ أَيْ مِنْ الْعَذَاب وَالنَّكَال .
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

وَقِيلَ الْيَوْم نَنْسَاكُمْ أَيْ نُعَامِلكُمْ مُعَامَلَة النَّاسِي لَكُمْ فِي نَار جَهَنَّم كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا أَيْ فَلَمْ تَعْمَلُوا لَهُ لِأَنَّكُمْ لَمْ تُصَدِّقُوا بِهِ وَمَأْوَاكُمْ النَّار وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول لِبَعْضِ الْعَبِيد يَوْم الْقِيَامَة " أَلَمْ أُزَوِّجك ؟ أَلَمْ أُكْرِمك ؟ أَلَمْ أُسَخِّر لَك الْخَيْل وَالْإِبِل وَأَذَرك تَرْأَس وَتَرْبَع ؟ فَيَقُول بَلَى يَا رَبّ فَيَقُول أَفَظَنَنْت أَنَّك مُلَاقِيّ ؟ فَيَقُول لَا فَيَقُول اللَّه تَعَالَى فَالْيَوْم أَنْسَاك كَمَا نَسِيتنِي " .
ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)
ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ

قَالَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اِتَّخَذْتُمْ آيَات اللَّه هُزُوًا أَيْ إِنَّمَا جَازَيْنَاكُمْ هَذَا الْجَزَاء لِأَنَّكُمْ اِتَّخَذْتُمْ حُجَج اللَّه عَلَيْكُمْ سِخْرِيًّا تَسْخَرُونَ وَتَسْتَهْزِئُونَ بِهَا وَغَرَّتْكُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا أَيْ خَدَعَتْكُمْ فَاطْمَأْنَنْتُمْ إِلَيْهَا فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ وَلِهَذَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فَالْيَوْم لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا أَيْ مِنْ النَّار وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أَيْ لَا يُطْلَب مِنْهُمْ الْعُتْبَى بَلْ
368@@@

الصفحة 367