كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 12)

يَخْتَار الْبَنَات دُون الْبَنِينَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " أَفَأَصْفَاكُمْ رَبّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاِتَّخَذَ مِنْ الْمَلَائِكَة إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا " وَلِهَذَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ " أَيْ مَا لَكُمْ عُقُول تَتَدَبَّرُونَ بِهَا مَا تَقُولُونَ .
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ " أَصْطَفَى الْبَنَات عَلَى الْبَنِينَ " أَيْ أَيّ شَيْء يَحْمِلهُ عَنْ أَنْ يَخْتَار الْبَنَات دُون الْبَنِينَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " أَفَأَصْفَاكُمْ رَبّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاِتَّخَذَ مِنْ الْمَلَائِكَة إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا " وَلِهَذَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ " أَيْ مَا لَكُمْ عُقُول تَتَدَبَّرُونَ بِهَا مَا تَقُولُونَ .
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155)
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

أَفَلَا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَان مُبِين " أَيْ حُجَّة عَلَى مَا تَقُولُونَهُ ؟ .
أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)
أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ

" أَفَلَا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَان مُبِين " أَيْ حُجَّة عَلَى مَا تَقُولُونَهُ ؟ .
فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)
فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

أَيْ هَاتُوا بُرْهَانًا عَلَى ذَلِكَ يَكُون مُسْتَنِدًا إِلَى كِتَاب مُنَزَّل مِنْ السَّمَاء عَنْ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ اِتَّخَذَ مَا تَقُولُونَهُ فَإِنَّ مَا تَقُولُونَهُ لَا يُمْكِن اِسْتِنَاده إِلَى عَقْل بَلْ لَا يُجَوِّزُهُ الْعَقْل بِالْكُلِّيَّةِ .
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ

وَقَوْله تَعَالَى " وَجَعَلُوا بَيْنه وَبَيْن الْجِنَّة نَسَبًا " قَالَ مُجَاهِد قَالَ الْمُشْرِكُونَ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه تَعَالَى فَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْهُ فَمَنْ أُمَّهَاتهنَّ ؟ قَالُوا بَنَات سَرَوَات الْجِنّ وَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَابْن زَيْد وَلِهَذَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّة " أَيْ الَّذِينَ نَسَبُوا إِلَيْهِمْ ذَلِكَ " إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ " أَيْ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ لَمُحْضَرُونَ فِي الْعَذَاب يَوْم الْحِسَاب لِكَذِبِهِمْ فِي ذَلِكَ وَافْتِرَائِهِمْ وَقَوْلهمْ الْبَاطِل بِلَا عِلْم وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى " وَجَعَلُوا بَيْنه وَبَيْن الْجِنَّة نَسَبًا " قَالَ زَعَمَ أَعْدَاء اللَّه أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ وَإِبْلِيس أَخَوَانِ تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا حَكَاهُ اِبْن جَرِير .
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ

وَقَوْله جَلَّتْ عَظْمه " سُبْحَان اللَّه عَمَّا يَصِفُونَ " أَيْ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنْ أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد وَعَمَّا يَصِفهُ بِهِ الظَّالِمُونَ الْمُلْحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع وَهُوَ مِنْ مُثْبَت إِلَّا أَنْ يَكُون الضَّمِير قَوْله تَعَالَى " عَمَّا يَصِفُونَ " عَائِدًا إِلَى النَّاس جَمِيعهمْ ثُمَّ اِسْتَثْنَى مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ وَهُمْ الْمُتَّبِعُونَ لِلْحَقِّ الْمُنَزَّل عَلَى كُلّ نَبِيّ مُرْسَل وَجَعَلَ اِبْن جَرِير هَذَا الِاسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله تَعَالَى " إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبَاد اللَّه الْمُخْلَصِينَ " وَفِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ نَظَر وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم .
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161)
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ
63@@@

الصفحة 62