كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 12)

الْمُتَصَرِّف فِي الْخَلْق بِتَسْخِيرِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ كَوَاكِب ثَوَابِت وَسَيَّارَات تَبْدُو مِنْ الْمَشْرِق وَتَغْرُب مِنْ الْمَغْرِب وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْمَشَارِق عَنْ الْمَغَارِب لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِق وَالْمَغَارِب إِنَّا لَقَادِرُونَ " وَقَالَ تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى " رَبّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبّ الْمَغْرِبَيْنِ " يَعْنِي فِي الشِّتَاء وَالصَّيْف لِلشَّمْسِ وَالْقَمَر .
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ

وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ " إِنَّ إِلَهكُمْ لَوَاحِد رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " هَذَا هُوَ الْمُقْسَم عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " وَمَا بَيْنهمَا " أَيْ مِنْ الْمَخْلُوقَات " وَرَبّ الْمَشَارِق" أَيْ هُوَ الْمَالِك الْمُتَصَرِّف فِي الْخَلْق بِتَسْخِيرِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ كَوَاكِب ثَوَابِت وَسَيَّارَات تَبْدُو مِنْ الْمَشْرِق وَتَغْرُب مِنْ الْمَغْرِب وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْمَشَارِق عَنْ الْمَغَارِب لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِق وَالْمَغَارِب إِنَّا لَقَادِرُونَ " وَقَالَ تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى " رَبّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبّ الْمَغْرِبَيْنِ " يَعْنِي فِي الشِّتَاء وَالصَّيْف لِلشَّمْسِ وَالْقَمَر .
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ

يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ زَيَّنَ السَّمَاء الدُّنْيَا لِلنَّاظِرِينَ إِلَيْهَا مِنْ أَهْل الْأَرْض بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب قُرِئَ بِالْإِضَافَةِ وَبِالْبَدَلِ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِد فَالْكَوَاكِب السَّيَّارَة وَالثَّوَابِت يَثْقُب ضَوْءُهَا جِرْم السَّمَاء الشَّفَّاف فَتُضِيء لِأَهْلِ الْأَرْض كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاب السَّعِير " وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ " وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلّ شَيْطَان رَجِيم إِلَّا مَنْ اِسْتَرَقَ السَّمْع فَأَتْبَعَهُ شِهَاب مُبِين" .
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ

قَوْله جَلَّ وَعَلَا هَهُنَا " وَحِفْظًا " تَقْدِيره وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا " مِنْ كُلّ شَيْطَان مَارِد " : يَعْنِي الْمُتَمَرِّد الْعَاتِي .
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ

إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِق السَّمْع أَتَاهُ شِهَاب ثَاقِب فَأَحْرَقَهُ وَلِهَذَا قَالَ جَلَّ جَلَاله " لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى " أَيْ لِئَلَّا يَصِلُوا إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَهِيَ السَّمَاوَات وَمَنْ فِيهَا مِنْ الْمَلَائِكَة إِذَا تَكَلَّمُوا بِمَا يُوحِيه اللَّه تَعَالَى مِمَّا يَقُولهُ مِنْ شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيث الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا عِنْد قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى " حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ قَالُوا الْحَقّ وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير " وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَيُقْذَفُونَ " أَيْ يُرْمَوْنَ " مِنْ كُلّ جَانِب " أَيْ مِنْ كُلّ جِهَة يَقْصِدُونَ السَّمَاء مِنْهَا .
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ

" دُحُورًا " أَيْ رَجْمًا يُدْحَرُونَ بِهِ وَيُزْجَرُونَ وَيُمْنَعُونَ مِنْ الْوُصُول إِلَى ذَلِكَ وَيُرْجَمُونَ " وَلَهُمْ عَذَاب وَاصِبٌ " أَيْ فِي الدَّار الْآخِرَة لَهُمْ عَذَاب دَائِم مُوجِع مُسْتَمِرّ كَمَا قَالَ جَلَّتْ عَظَمَته " وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاب السَّعِير " .
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ

وَقَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى " إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَة " أَيْ إِلَّا مَنْ اِخْتَطَفَ مِنْ الشَّيَاطِين الْخَطْفَة وَهِيَ الْكَلِمَة يَسْمَعهَا مِنْ السَّمَاء فَيُلْقِيهَا إِلَى الَّذِي تَحْته وَيُلْقِيهَا الْآخَر إِلَى الَّذِي تَحْته فَرُبَّمَا أَدْرَكَهُ
8@@@

الصفحة 7