كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 12)

يَقُول تَعَالَى : فَسَلْ هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ أَيّمَا أَشَدّ خَلْقًا هُمْ أَمْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا مِنْ الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين وَالْمَخْلُوقَات الْعَظِيمَة ؟ وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " أَمْ مَنْ عَدَدنَا " فَإِنَّهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّ هَذِهِ الْمَخْلُوقَات أَشَدّ خَلْقًا مِنْهُمْ وَإِذَا كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ فَلِمَ يُنْكِرُونَ الْبَعْث وَهُمْ يُشَاهِدُونَ مَا هُوَ أَعْظَم مِمَّا أَنْكَرُوا كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ " لَخَلْقُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَكْبَر مِنْ خَلْق النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ " ؟ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ شَيْء ضَعِيف فَقَالَ " إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِين لَازِب " قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالضَّحَّاك هُوَ الْجَيِّد الَّذِي يَلْتَزِق بَعْضه بِبَعْضٍ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَعِكْرِمَة هُوَ اللَّزِج الْجَيِّد وَقَالَ قَتَادَة هُوَ الَّذِي يَلْزَق بِالْيَدِ .
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ

وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ بَلْ عَجِبْت وَيَسْخَرُونَ أَيْ بَلْ عَجِبْت يَا مُحَمَّد مِنْ تَكْذِيب هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ وَأَنْتَ مُوقِن مُصَدِّق بِمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْأَمْر الْعَجِيب وَهُوَ إِعَادَة الْأَجْسَام بَعْد فَنَائِهَا وَهُمْ بِخِلَافِ أَمْرِك مِنْ شِدَّة تَكْذِيبهمْ يَسْخَرُونَ مِمَّا تَقُول لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ .
وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)
وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ

وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ بَلْ عَجِبْت وَيَسْخَرُونَ أَيْ بَلْ عَجِبْت يَا مُحَمَّد مِنْ تَكْذِيب هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ وَأَنْتَ مُوقِن مُصَدِّق بِمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْأَمْر الْعَجِيب وَهُوَ إِعَادَة الْأَجْسَام بَعْد فَنَائِهَا وَهُمْ بِخِلَافِ أَمْرِك مِنْ شِدَّة تَكْذِيبهمْ يَسْخَرُونَ مِمَّا تَقُول لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ .
وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)
وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ

قَالَ قَتَادَة عَجِبَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَخِرَ ضُلَّالُ بَنِي آدَم " وَإِذَا رَأَوْا آيَة " أَيْ دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى ذَلِكَ " يَسْتَسْخِرُونَ" قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة يَسْتَهْزِئُونَ .
وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15)
وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ

أَيْ إِنْ هَذَا الَّذِي جِئْت بِهِ إِلَّا سِحْرٌ مُبِين .
أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)
أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ

يَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُونَ بِهِ .
أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17)
أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ

يَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُونَ بِهِ.
قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)
قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ

أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد نَعَمْ تُبْعَثُونَ يَوْم الْقِيَامَة بَعْدَمَا تَصِيرُونَ تُرَابًا وَعِظَامًا وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ أَيْ حَقِيرُونَ تَحْت الْقُدْرَة الْعَظِيمَة كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَكُلّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ " وَقَالَ " إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّم دَاخِرِينَ " .
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ

قَالَ جَلَّتْ عَظَمَته " فَإِنَّمَا
10@@@

الصفحة 9