كتاب تفسير ابن كثير (قرطبة وأولاد الشيخ) (اسم الجزء: 14)

حُسُومًا مُتَتَابِعَات وَعَنْ عِكْرِمَة وَالرَّبِيع بْن خُثَيْم مَشَائِم عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " فِي أَيَّام نَحِسَات" قَالَ الرَّبِيع وَكَانَ أَوَّلهَا الْجُمُعَة وَقَالَ غَيْره الْأَرْبِعَاء وَيُقَال إِنَّهَا الَّتِي تُسَمِّيهَا النَّاس الْأَعْجَاز .
وَكَأَنَّ النَّاس أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى " فَتَرَى الْقَوْم فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل خَاوِيَة " وَقِيلَ لِأَنَّهَا تَكُون فِي عَجُز الشِّتَاء وَيُقَال أَيَّام الْعَجُوز لِأَنَّ عَجُوزًا مِنْ قَوْم عَاد دَخَلَتْ سِرْبًا فَقَتَلَهَا الرِّيح فِي الْيَوْم الثَّامِن حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَاَللَّه أَعْلَم قَالَ اِبْن عَبَّاس " خَاوِيَة" خَرِبَة وَقَالَ غَيْره بَالِيَة أَيْ جُعِلَتْ الرِّيح تَضْرِب بِأَحَدِهِمْ الْأَرْض فَيَخِرّ مَيِّتًا عَلَى أُمّ رَأْسه فَيَنْشَرِخ رَأْسه وَتَبْقَى جُثَّته هَامِدَة كَأَنَّهَا قَائِمَة النَّخْلَة إِذَا خَرَّتْ بِلَا أَغْصَان .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " نُصِرْت بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَاد بِالدَّبُورِ " وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن الضَّرِيس الْعَبْدِيّ حَدَّثَنَا اِبْن فُضَيْل عَنْ مُسْلِم عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا فَتَحَ اللَّه عَلَى عَاد مِنْ الرِّيح الَّتِي هَلَكُوا بِهَا إِلَّا مِثْل مَوْضِع الْخَاتَم فَمَرَّتْ بِأَهْلِ الْبَادِيَة فَحَمَلَتْهُمْ وَمَوَاشِيهمْ وَأَمْوَالهمْ فَجَعَلَتْهُمْ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْل الْحَاضِرَة مِنْ عَاد الرِّيح وَمَا فِيهَا قَالُوا هَذَا عَارِض مُمْطِرنَا فَأَلْقَتْ أَهْل الْبَادِيَة وَمَوَاشِيهمْ عَلَى أَهْل الْحَاضِرَة " وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ لَيْث عَنْ مُجَاهِد : الرِّيح لَهَا جَنَاحَانِ وَذَنَب.
فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)
فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ

أَيْ هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَد مِنْ بَقَايَاهُمْ أَوْ مِمَّنْ يَنْتَسِب إِلَيْهِمْ بَلْ بَادُوا عَنْ آخِرهمْ وَلَمْ يَجْعَل اللَّه لَهُمْ خَلَفًا .
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9)
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " وَجَاءَ فِرْعَوْن وَمَنْ قَبْله " قُرِئَ بِكَسْرِ الْقَاف أَيْ وَمَنْ عِنْده مِمَّنْ فِي زَمَانه مِنْ أَتْبَاعه مِنْ كُفَّار الْقِبْط وَقَرَأَ آخَرُونَ بِفَتْحِهَا أَيْ وَمَنْ قَبْله مِنْ الْأُمَم الْمُشْبِهِينَ لَهُ وَقَوْله تَعَالَى " وَالْمُؤْتَفِكَات" وَهُمْ الْأُمَم الْمُكَذِّبُونَ بِالرُّسُلِ " بِالْخَاطِئَةِ " وَهِيَ التَّكْذِيب بِمَا أَنْزَلَ اللَّه قَالَ الرَّبِيع " بِالْخَاطِئَةِ" أَيْ بِالْمَعْصِيَةِ وَقَالَ مُجَاهِد بِالْخَطَايَا .
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً

لِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فَعَصَوْا رَسُول رَبّهمْ " وَهَذَا جِنْس أَيْ كُلّ كَذَّبَ رَسُول اللَّه إِلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " كُلّ كَذَّبَ الرُّسُل فَحَقّ وَعِيد " وَمَنْ كَذَّبَ بِرَسُولٍ فَقَدْ كَذَّبَ بِالْجَمِيعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى " كَذَّبَتْ قَوْم نُوح الْمُرْسَلِينَ " " كَذَّبَتْ عَاد الْمُرْسَلِينَ " " كَذَّبَتْ ثَمُود الْمُرْسَلِينَ " وَإِنَّمَا جَاءَ إِلَى كُلّ أُمَّة رَسُول وَاحِد وَلِهَذَا قَالَ هَهُنَا " فَعَصَوْا رَسُول رَبّهمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَة رَابِيَة " أَيْ عَظِيمَة شَدِيدَة أَلِيمَة قَالَ مُجَاهِد رَابِيَة شَدِيدَة وَقَالَ السُّدِّيّ مُهْلِكَة.
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء " أَيْ زَادَ عَلَى الْحَدّ بِإِذْنِ اللَّه وَارْتَفَعَ عَلَى الْوُجُود وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره طَغَى الْمَاء كَثُرَ .
وَذَلِكَ بِسَبَبِ دَعْوَة نُوح عَلَى قَوْمه حِين كَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ فَعَبَدُوا غَيْر اللَّه فَاسْتَجَابَ اللَّه لَهُ وَعَمَّ أَهْل الْأَرْض بِالطُّوفَانِ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَ نُوح فِي السَّفِينَة
113@@@

الصفحة 112