كتاب تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل

بَاب الْكَلَام فِي حَقِيقَة الْعلم وَمَعْنَاهُ

فَإِن قَالَ قَائِل مَا حد الْعلم عنْدكُمْ قُلْنَا حَده أَنه معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن هَذَا الْحَد يحصره على مَعْنَاهُ وَلَا يدْخل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يخرج مِنْهُ شَيْئا هُوَ مِنْهُ وَالْحَد إِذا أحَاط بالمحدود على هَذِه السَّبِيل وَجب أَن يكون حدا ثَابتا صَحِيحا فَكل مَا حد بِهِ الْعلم وَغَيره وَكَانَت حَاله فِي حصر الْمَحْدُود وتمييزه من غَيره وإحاطته بِهِ حَال مَا حددنا بِهِ الْعلم وَجب الِاعْتِرَاف بِصِحَّتِهِ وَقد ثَبت أَن كل علم تعلق بمعلوما فَإِنَّهُ معرفَة لَهُ وكل معرفَة لمعلوم فَإِنَّهَا علم بِهِ فَوَجَبَ تَوْثِيق الْحَد الَّذِي حددنا بِهِ الْعلم وَجَعَلنَا تَفْسِيرا لِمَعْنى وَصفه بِأَنَّهُ علم
فَإِن قَالَ قَائِل فَلم رغبتم عَن القَوْل بِأَنَّهُ معرفَة الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ إِلَى القَوْل بِأَنَّهُ معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ قيل لما قَامَ من الدَّلِيل على أَن الْمَعْلُوم يكون شَيْئا وَمَا لَيْسَ بِشَيْء وَلِأَن الْمَعْدُوم مَعْلُوم وَلَيْسَ بِشَيْء وَلَا مَوْجُود فَلَو قُلْنَا حَده أَنه معرفَة الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ لخرج الْعلم بِمَا لَيْسَ بِشَيْء من المعلومات المعدومات عَن أَن يكون علما وَذَلِكَ مُفسد لَهُ فَوَجَبَ صِحَة مَا قُلْنَاهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

الصفحة 25