كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (اسم الجزء: 8)

وفي هذا الحديث أيضا من الفقه في غير رِوَايَةُ مَالِكٍ مِمَّا رَوَاهُ أَصْحَابُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنِ اتِّخَاذِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ لِلْأَذَانِ وَفِيهِ إِشْعَارُ الْمُؤَذِّنِ لِلْإِمَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَإِعْلَامُهُ بِذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُؤَذِّنِينَ ارْتِقَابُ الْأَوْقَاتِ وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ لَا يُجِيزُ الْأَذَانَ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ بِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ فِيهِ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَالُوا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي حِينِ يَجُوزُ فِيهِ رُكُوعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ الْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ قَدْ عَارَضَهُ نَصُّ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَفِيهِ أَنَّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ خَفِيفَتَانِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتْرُكُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَأَنَّهُ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِمَا كَمَا يُوَاظِبُ عَلَى الْوِتْرِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَوْكَدِ مِنْهُمَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْوِتْرُ أَوْكَدُ وَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ (رَكْعَتَا الْفَجْرِ) لَيْسَتَا بِسُنَّةٍ (وَهُمَا مِنَ الرَّغَائِبِ (3)) وَالْوِتْرُ سُنَّةٌ مؤكدة

الصفحة 127