كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (اسم الجزء: 9)

ذَكَرْتُ لَكَ وَهُوَ كُلُّهُ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى مُتَّفِقُ الْأَصْلِ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْأَلْقَابِ وَلَا يُكَفِّرُونَ أَحَدًا بِذَنْبٍ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهَا فَكَفَّرَهُ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي بَابِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ بُسْرِ بْنِ مِحْجَنٍ وَأَبَى الْجُمْهُورِ أَنْ يُكَفِّرُوهُ إِلَّا بِالْجَحْدِ وَالْإِنْكَارِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هُنَاكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهَذَا مَا بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الْإِيمَانِ وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَالْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ جِمَاعُ الطَّاعَاتِ وَمَنْ قَصَّرَ مِنْهَا عَنْ شَيْءٍ فهو فاسق لا مؤمن ولا كافر وسواهم الْمُتَحَقِّقُونَ بِالِاعْتِزَالِ أَصْحَابَ الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَمِنْهُمْ من قال في ذلك يقول الْخَوَارِجِ الْمُذْنِبُ كَافِرٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ إِلَّا أَنَّ الصُّفْرِيَّةَ تَجْعَلُهُ كَالْمُشْرِكِ وَتَجْعَلُ دَارَ الْمُذْنِبِ الْمُخَالِفِ لَهُمْ دَارَ حَرْبٍ وَأَمَّا الْإبَاضِيَّةُ فَتَجْعَلُهُ كَافِرَ نِعْمَةٍ وَلَكِنَّهُمْ يُخَلِّدُونَهُ فِي النَّارِ إِنْ لَمْ يَتُبْ مِنَ الْكَبِيرَةِ وَلَا يَسْتَحِلُّونَ مَالَهُ كَمَا يَسْتَحِلُّهُ الصِّفْرِيَّةُ وَلَهُمْ ظَوَاهِرُ آيَاتٍ يُبَرْهِنُونَ بِهَا قَدْ فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ وَقَدْ مَضَى عَلَى مَا فَسَّرَتِ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَكُنْتُمْ تَعُدُّونَ شَيْئًا مِنَ الذُّنُوبِ كُفْرًا أَوْ شِرْكًا أَوْ نِفَاقًا قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ مُؤْمِنِينَ مُذْنِبِينَ وَلَوْلَا أَنَّ كِتَابَنَا هَذَا كِتَابُ شَرْحِ مَعَانِي السُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي الْمُوَطَّأِ لَحَدَدْنَا الرَّدَّ عَلَيْهِمْ هُنَا وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَكَسْرِ أَقْوَالِهِمْ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ الْآثَارِ فِي الْإِيمَانِ وَمَدَارِ الْبَابِ كُلِّهِ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْهِ أَنَبْنَا

الصفحة 251