كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (اسم الجزء: 9)

قَالَ أَبُو عُمَرَ فَهَذَا اخْتِصَارُ مَا بَلَغَنَا مِنَ الْآثَارِ وَاخْتِلَافِهَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَتَهْذِيبِ ذَلِكَ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ بِالنَّاسِ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَفَاضَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَّرَ حِينَئِذٍ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا بِالنَّاسِ بِالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمِيعًا بَعْدَمَا غَابَ الشَّفَقُ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ الْحَاجِّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي حِينِ جَمْعِهِ لِلصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ مَالِكًا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ كُلَّ صَلَاةِ مِنْهُمَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقَامُ وَاحِدَةٌ بِإِثْرِ أُخْرَى وَعَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا تُصَلَّيَانِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُصَلَّى بِإِقَامَةٍ إقامة ولا يؤذن لواحدة منهما به قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّهُمَا يُصَلَّيَانِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ أبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُجَّةَ كُلُّ واحد

الصفحة 269