كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (اسم الجزء: 9)

الطَّيْرِ يَتَفَلَّى أَوْ يَنْتِفُ وَلِإِيمَانِ الْعَرَبِ بِالطِّيَرَةِ عَقَدُوا الرَّتَائِمَ وَاسْتَعْمَلُوا الْقِدَاحَ بِالْآمِرِ وَالنَّاهِي وَالْمُتَرَبِّصِ وَهِيَ غَيْرُ قِدَاحِ الْأَيْسَارِ وَكَانُوا يَشْتَقُّونَ الْأَسْمَاءَ الْكَرِيهَةَ مِمَّا يَكْرَهُونَ وَرُبَّمَا قَلَبُوا ذَلِكَ إِلَى الْفَأْلِ الْحَسَنِ فِرَارًا مِنَ الطِّيَرَةِ وَلِذَلِكَ سَمَّوُا اللَّدِيغَ سَلِيمًا وَالْقَفْرَ مَفَازَةً وَكَنَّوُا الْأَعْمَى أَبَا الْبَصِيرِ وَنَحْوَ هَذَا فَمَنْ تَطَيَّرَ جَعَلَ الْغُرَابَ مِنَ الِاغْتِرَابِ وَالْغُرْبَةِ وَجَعَلَ غُصْنَ الْبَانِ مِنَ الْبَيْنُونَةِ وَالْحَمَامَ مِنَ الْحُمَامِ وَمِنَ الْحَمِيمِ وَمِنَ الْحُمَّى وَرُبَّمَا جَعَلُوا الْحَبْلَ مِنَ الْوِصَالِ وَالْهُدْهُدَ مِنَ الْهُدَى وَغُصْنَ الْبَانِ مِنْ بَيَانِ الطَّرِيقِ وَالْعُقَابَ مِنْ عُقْبَى خَيْرٍ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ عَنْهُمْ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْإِشْفَاقُ تَطَيَّرُوا وَتَشَاءَمُوا وَإِذَا غَلَبَ عَلَيْهِمُ الرَّجَاءُ وَالسُّرُورُ تَفَاءَلُوا وَذَلِكَ مستعمل عندهم فيما يرون مِنَ الْأَشْخَاصِ وَيَسْمَعُونَ مِنَ الْكَلَامِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا طِيَرَةَ وَلَا شُؤْمَ فَعَرَّفَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ طَرِيقِ الِاتِّفَاقِ لِيَرْفَعَ عَنِ الْمُتَوَقِّعِ مَا يَتَوَقَّعُهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَيُعَلِّمُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ يَنَالُهُ مِنْهُ إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ فَهُوَ عِنْدُنَا على غير ظَاهِرُهُ وَسَنَقُولُ فِيهِ بِحَوَلِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَهُوَ فِيمَا بَيْنُ اللِّحْيَيْنِ يَعْنِي اللِّسَانَ وَمَا شَيْءٌ أَحْوَجَ إِلَيَّ سجن طويل من لسان

الصفحة 283