كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (اسم الجزء: 21)

ذَلِكَ قَالُوا فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ وَالظُّلْمُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الضِّيَافَةِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ الْعَدَوِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ سَوَاءً وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ إِكْرَامٌ وَبِرٌّ وَفَضِيلَةٌ لَا فَرِيضَةَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرحمان بْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ جِئْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي قَدْ كَادَتْ تَذْهَبُ أَبْصَارُنَا وَأَسْمَاعُنَا مِنَ الْجُوعِ فَجَعَلْنَا نَتَعَرَّضُ لِلنَّاسِ فَلَمْ يُضِفْنَا أَحَدٌ فَأَتَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ فَتَعَرَّضْنَا لِلنَّاسِ فَلَمْ يُضْفِنَا أَحَدٌ فَأَتَيْنَاكَ فَذَهَبَ بِنَا إِلَى مَنْزِلِهِ وَعِنْدَهُ أَرْبَعَةُ أَعْنُزٍ فَقَالَ يَا مِقْدَادُ احْلِبْهُنَّ وَجَزِّئِ اللَّبَنَ لِكُلِّ اثْنَيْنِ جُزْءًا فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمِقْدَادَ وَصَاحِبَهُ قَدِ اسْتَضَافَا فَلَمْ يُضَافَا وَلَمْ يَأْمُرْهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَا مِمَّنِ اسْتَضَافَا قَدْرَ ضِيَافَتِهِمَا مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِهِمَا فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الضِّيَافَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ جُمْلَةً أَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَنُسِخَتْ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَأْمُرُونَ بِالضِّيَافَةِ وَيَنْدُبُونَ إِلَيْهَا وَيَسْتَحِبُّونَهَا وَهِيَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَهْلِ الْبَوَادِي آكَدُ وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْحَضَرِ ضِيَافَةٌ يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ سُنَّتِهَا عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنِ الْبَادِيَةِ وَالْحَاضِرَةِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي إِيجَابِهَا فَرْضًا فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ مَضَى عَنْ مُجَاهِدٍ فِيهَا فِي هَذَا الْبَابِ ما ذكرنا

الصفحة 46