كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (اسم الجزء: 23)

وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ إِلَّا السَّمَكُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ حَلَّ أَكْلُهُ وَأَخْذُهُ ذَكَاتُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَاتِهِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُجَوَّدَةً مُمَهَّدَةً فِي بَابِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ وَأَتَيْنَا فِيهَا مِنْ أقاويل العلماء بأكثر مما ذكرنا ههنا وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ دَابَّةٍ وَحُوتٍ وَسَوَاءٌ مَيِّتُهُ وَحَيُّهُ فِي ذَلِكَ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبِدَلِيلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيتَتُهُ
وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا مُضْطَرِّينَ ذَلِكَ الْوَقْتَ إِلَى الْمَيْتَةِ فَمِنْ هُنَاكَ جَازَ لَهُمْ أَكْلُ تِلْكَ الدَّابَّةِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ أَكْلَهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهٍ مَا تُؤْكَلُ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ لِلضَّرُورَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَقَامُوا عَلَيْهَا أَيَّامًا يَأْكُلُونَ مِنْهَا وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ لَيْسَ يُبَاحُ لَهُ الْمُقَامُ عَلَيْهَا بَلْ يُقَالُ لَهُ خُذْ مِنْهَا مَا تَحْتَاجُ وَانْتَقِلْ مِنْهَا إِلَى طَلَبِ الْمُبَاحِ مِنَ الْقُوتِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مِنْ صَحِيحِ الْأَثَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُضْطَرِّ
وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْبَحْرُ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ مَا يَكْفِي وَيُغْنِي عَنْ قَوْلِ كُلِّ قَائِلٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ أَجَازَ أَكْلَ اللَّحْمِ الذَّكِيِّ إِذَا صَلَّ وَأَنْتَنَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ ذَلِكَ بِمَا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ

الصفحة 13