كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (اسم الجزء: 23)
وأما قوله فثري يعني بل الماء وَمِنْهُ قِيلَ لِلتُّرَابِ النَّدِيِّ الثَّرَى
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّالِحِينَ وَالْفُضَلَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ عَنِ الزَّادِ فِي سَفَرِهِمْ وَهُوَ يُبْطِلُ مَذْهَبَ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ لَا يَدَّخِرُونَ لِغَدٍ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الْأَزْوَادِ وَاجْتِمَاعَ الْأَيْدِي عَلَيْهَا أَعْظَمُ بَرَكَةً وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ جَمْعُ الْأَزْوَادِ فِي السَّفَرِ سُنَّةٌ وَقَدْ أَجَازَ لَنَا أَبُو ذَرٍّ عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَرَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدَانَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ فَقَالَ اجْمَعُوا أَزْوَادَكُمْ قَالَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْحَفْنَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالْحَفْنَةِ مِنَ السَّوِيقِ وَطَرَحُوا الْأَنْطَاعَ أَوْ قَالَ الْأَكْسِيَةَ فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ كُلُوا فَأَكَلْنَا وَشَبِعْنَا وَأَخَذْنَا فِي مَزَاوِدِنَا ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وأني رسول الله من قالها غير شَاكَ فَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ أَزْوَادِهِمْ لِلْمُسَاوَاةِ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ عِنْدَ قِلَّةِ الطَّعَامِ وَارْتِفَاعِ السِّعْرِ وَغَلَاءِ الْأَقْوَاتِ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ فَوْقَ قُوتِهِ بِإِخْرَاجِهِ لِلْبَيْعِ وَيُجْبِرَهُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْمِيقِ مُهَجِ النَّاسِ وَإِحْيَائِهِمْ وَالْإِبْقَاءِ عَلَيْهِمْ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الصفحة 177