كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (اسم الجزء: 23)

وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضًا وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ مُسْتَفِيضٌ عِنْدَهُمْ يُسْتَغْنَى بِشُهْرَتِهِ وَقَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ عَنِ الْإِسْنَادِ فِيهِ حَتَّى يَكَادَ أَنْ يَكُونَ الْإِسْنَادُ فِي مِثْلِهِ لِشُهْرَتِهِ تَكَلُّفًا
وَأَمَّا قَوْلُهُ حَذَفَ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ فَمَعْنَاهُ رَمَاهُ فَقَطَعَهُ وَالْحَذْفُ الرَّمْيُ وَالْقَطْعُ بِالسَّيْفِ أَوِ الْعَصَا وَمَنْ رَوَاهُ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ فَقَدْ صَحَّفَ لِأَنَّ الْخَذْفَ بِالْخَاءِ إِنَّمَا هُوَ الرَّمْيُ بِالْحَصَى أَوِ النَّوَى
وَحَدِيثُ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِطَرْحِ الْقَوَدِ بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ إِذَا قَتَلَهُ وَلَكِنَّهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ لأن عمر إنما أمر فيه بالمدية الْمُغَلَّظَةِ لِطَرْحِ الْقَوَدِ وَهَذَا مَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الِاخْتِلَافِ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أنه قال يقتل الوالد بولده إذا قتله عمدا وهو قول عثمن الْبَتِّيِّ وَدَفَعَ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ مَا رُوِيَ مِنَ الْأَثَرِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا كُلَّهَا مَعْلُولَةُ الْأَسَانِيدِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ذَبَحَ وَلَدَهُ أَوْ عَمِلَ بِهِ عَمَلًا لَا يُشَكُّ فِي أَنَّهُ عَمَدَ إِلَى قَتْلِهِ دُونَ أَدَبٍ فَإِنَّهُ يُقَادُ بِهِ وَإِنْ حَذَفَهُ بِسَيْفٍ أَوْ عَصًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يُقَادُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ عَلَى حَالٍ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ لَا يُقَادُ بِابْنِ ابْنِهِ

الصفحة 437