كتاب تفسير المنار (اسم الجزء: 7)

الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ، وَالْخُبْزُ وَاللَّبَنُ، وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَالْخُبْزُ وَالْخَلُّ، وَفِي رَاوِيَةٍ أُخْرَى عَنْهُ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ بَدَلَ الْخَلِّ التَّمْرَ ثُمَّ
قَالَ: وَمِنْ أَفْضَلِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمُ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ الْأَوْسَطَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طَعَامِ الْبَلَدِ إِلَى طَعَامِ الْأَفْرَادِ الَّذِينَ تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْكَفَّارَةُ فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتَ دُونٍ وَبَعْضُهُمْ قُوتًا فِيهِ سَعَةٌ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) أَيِ الْخُبْزَ وَالزَّيْتَ وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الْأَوْسَطَ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الثَّرِيدُ بِالْمَرَقِ وَقَلِيلٌ مِنَ اللَّحْمِ، أَوِ الْخُبْزُ مَعَ الْمُلُوخِيَّةِ أَوِ الرُّزُّ أَوِ الْعَدَسُ مِنْ أَوْسَطِ الطَّعَامِ فِي مِصْرَ وَالشَّامِ لِهَذَا الْعَهْدِ، وَكَانَ التَّمْرُ أَوْسَطَ طَعَامِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّرَ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ النَّاسَ بِهِ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَجُمْهُورُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ وَاجِبٌ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ إِطْعَامَ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ.
وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَهِيَ اللِّبَاسُ، وَهِيَ فَوْقَ الْإِطْعَامِ وَدُونَ الْعِتْقِ، وَلَمْ يَقُلْ فِيهَا مِمَّا تَكْسُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ مِنْ أَوْسَطِهِ، فَيُجْزِئُ إِذَنْ كُلُّ مَا يُسَمَّى كِسْوَةً وَأَدْنَاهُ مَا يَلْبَسُهُ الْمَسَاكِينُ عَادَةً هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ الْآيَةِ، وَالظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمِنَةِ كَالطَّعَامِ، فَيُجْزِئُ فِي مِصْرَ الْقَمِيصُ السَّابِغُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ (الْجَلَابِيَّةَ) مَعَ السَّرَاوِيلِ أَوْ بِدُونِهِ، فَهُوَ كَالْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ أَوِ الْعَبَاءَةِ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْعَبَاءَةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَا يُجْزِئُ مَا يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ كُمَّةٍ أَوْ طَرْبُوشٍ أَوْ عِمَامَةٍ، وَلَا مَا يَلْبَسُ فِي الرِّجْلَيْنِ مِنَ الْأَحْذِيَةِ وَالْجَوَارِبِ، وَلَا نَحْوَ مِنْدِيلٍ أَوْ مِشْنَقَةٍ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى إِجْرَاءِ كُلِّ مَا تَقُولُ الْعَرَبُ فِيهِ كِسَاءَ كَذَا، أَوْ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْكِسْوَةِ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ: (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) قَالَ: لَوْ أَنَّ وَفْدًا قَدِمُوا عَلَى أَمِيرِكُمْ وَكَسَاهُمْ قَلَنْسُوَةً قَلَنْسُوَةً قُلْتُمْ: قَدْ كُسُوا، وَلَكِنَّ هَذَا أَثَرٌ وَاهٍ جِدًّا لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الزُّبَيْرِ مَتْرُوكٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَفِيهِ بَحْثٌ لَفْظِيٌّ وَهُوَ أَنَّ إِضَافَةَ الْكِسْوَةِ إِلَى الْمَسَاكِينِ كَإِضَافَةِ الْإِطْعَامِ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ
كَانَ يَكْفِي فِي الْإِطْعَامِ تَمْرَةٌ أَوْ تُفَّاحَةٌ لِأَنَّهُ يُقَالُ لُغَةً: أَطْعَمُهُ تَمْرَةً أَوْ تُفَّاحَةً يَكْفِي مَا ذَكَرَ مِنَ الْكِسْوَةِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالثَّانِي مِثْلُهُ وَإِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي لَفْظِ الْكِسْوَةِ هَلْ هُوَ مَصْدَرٌ كَالْإِطْعَامِ أَوِ اسْمٌ لِمَا يُلْبَسُ، وَالْمُرَادُ لَا يَخْتَلِفُ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الَّتِي خَيَّرَ اللهُ النَّاسَ فِيهَا مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ التَّرَقِّي، فَالْإِطْعَامُ أَدْنَاهَا وَالْكِسْوَةُ أَوْسَطُهَا وَالْإِعْتَاقُ أَعْلَاهَا كَمَا قُلْنَا وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالْبَدَاهَةِ، فَلَوْ أُرِيدَ مِنَ الْكِسْوَةِ مَا يَشْتَمِلُ الْقَلَنْسُوَةَ وَالْعِمَامَةَ لَمْ يَكُنْ مِنَ التَّرَقِّي وَلَمْ يَظْهَرْ لِجَعْلِ الْكِسْوَةِ بَعْدَ الْإِطْعَامِ وَقَبْلَ الْإِعْتَاقِ نُكْتَةً.
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّ الْوَاجِبَ ثَوْبَانِ، وَرُوِيَ الثَّانِي عَنْ أَبِي مُوسَى

الصفحة 32