كتاب تفسير المنار (اسم الجزء: 7)

الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاتِكَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، وَعَلِيٌّ هَذَا ضَعِيفٌ وَضَعَّفُوا عُثْمَانَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيِّ " " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي تَشْبِيهِ اللَّعِبِ بِهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْمُقَامَرَةَ بِهِ كَالْمُقَامَرَةِ عَلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَا عَلَى لَحْمِ الْأَنْعَامِ الَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تُقَامِرُ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَيَّدَ هَذَا بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ " وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى أَبِي مُوسَى مِنْ قَوْلِهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ فِي الشِّطْرَنْجِ إِنَّهُ مِنَ النَّرْدِ وَأَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إِنَّهُ مِنَ الْمَيْسِرِ
قَالَ: وَنَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى:
أَقُولُ: إِنَّ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَ لَنَا وَجْهَ مَا وَرَدَ فِي النَّرْدِ (وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالطَّاوِلَةِ) مِنَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ لَعِبِ الْقِمَارِ، وَيُؤَيِّدُهُ التَّشْبِيهُ الَّذِي بَيَّنَّا حِكْمَتَهُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ حَرَّمَ الشِّطْرَنْجَ حَرَّمَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ قِمَارًا، وَمَنْ كَرِهَهُ لِكَوْنِهِ مَدْعَاةَ الْغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ لَاعِبِيهِ يُفْرِطُونَ فِي الْإِكْثَارِ مِنْهُ، وَسَنَزِيدُ الْمَسْأَلَةَ بَيَانًا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ التَّالِيَةِ.
وَأَمَّا الْأَنْصَابُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: هِيَ حِجَارَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَ قَرَابِينَهُمْ عِنْدَهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ أَيْضًا، وَرَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهَا وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) فِي أَوَّلِ السُّورَةِ (ص121، 123 ج6ط الْهَيْئَةِ) .
وَأَمَّا الْأَزْلَامُ فَهِيَ قِدَاحٌ أَيْ قِطَعٌ رَقِيقَةٌ مِنَ الْخَشَبِ بِهَيْئَةِ السِّهَامِ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِأَجْلِ التَّفَاؤُلِ أَوِ التَّشَاؤُمِ، وَقَدْ شَرَحْنَا مَعْنَاهَا وَطَرِيقَةَ الِاسْتِقْسَامِ بِهَا فِي أَوَائِلِ السُّورَةِ (ص122 127 ج6ط الْهَيْئَةِ) وَبَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ خُرَافَةِ الِاسْتِقْسَامِ وَسُنَّةِ الِاسْتِخَارَةِ فَيُرَاجَعُ هُنَالِكَ.
وَأَمَّا الرِّجْسُ فَهُوَ الْمُسْتَقْذَرُ حِسًّا أَوْ مَعْنًى، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا اسْتُقْذِرَ مِنْ عَمَلٍ، فَبَالَغَ اللهُ فِي ذَمِّ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ فَسَمَّاهَا رِجْسًا أَقُولُ: وَقَدْ ذُكِرَ فِي تِسْعِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعٌ يَظْهَرُ فِيهَا مَعْنَى الْقَذَارَةِ الْحِسِّيَّةِ إِلَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) 6: 145) قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، أَيْ فَإِنَّ ذَلِكَ أَوْ مَا ذُكِرَ رِجْسٌ، وَمِثْلُهُ: (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ 36: 34، 35) ;

الصفحة 48